قياس الرأي العام:
حاول علماء الاجتماع تقصي هذه الظاهرة وتجسيدها إلى بيانات وأرقام يسهل فهمها وتحليلها والاستفادة منها، وتطور ذلك باعتماد الوسائل الحديثة الناتجة عن علم الإحصاء والاستبيان.
فقد تجلت أهمية الرأي العام من خلال بحوثه وعمليات مسحه، والتعرف على الآراء والأفكار والقيم والدوافع والانطباعات والتأثيرات المختلفة.
وفي العصر الحديث تطور المفهوم وانتشرت مرتكز ومعاهد لدراسة الرأي العام، ومن حين إلى أخر تقوم الصحف والقنوات العلمية بهذا الإجراء.
ومن بين الأساليب المستخدمة عمليات المسح الاجتماعي، واستطلاعات الرأي والاستفتاء والمقابلات والمناقشات العامة.
وعلى هذا تميل بحوث الرأي العام دائما إلى التبسيط من حيث الإجراءات وحساب النتائج، ففي حساب النتائج تستخدم النسب المئوية.
معاهد قياس الرأي العام:
طبق الأمريكيون طرقا في قياس الرأي العام مستفيدين من الدراسات الاجتماعية التي تناولت قياس الرأي العام، وأصبح هذا القياس وظيفة دائمة في كل الأحوال " وكان ابرز معالم فترة الثلاثينيات ظهور معاهد قياسات ومسح الرأي العام واستخدم كروسلي و جالوب رونز في الولايات المتحدة الأمريكية طرقا أكثر تطورا في عمليات قياس الرأي العام.
فقد أنشا جالوب الصحفي والإحصائي الأمريكي عام 1935م المعهد الأمريكي للرأي العام، يقوم هذا المعهد بعملية استفاء شعبي، باستخدام وحدات نموذجية تمثل الجماهير، وقد وضع خلال الثلاثين السنة الأولى لنشاءه كثيرا من المسائل الدولية والأمريكية من سياسية واجتماعية وفنية ورياضية موضع الاستفتاء الشعبي، وكان لبعضها اثر في تطوير الأحداث، كما استخدمت هذه الاستفتاءات لقياس الميول والاتجاهات الشعبية بالنسبة للأحداث الجارية او الانتخابات العامة او الإعلانات التجارية واليها .
يتبين لنا مما سلف أن الأمريكيين أرادوا التنظير لمفهوم الرأي العام ودراسته من عمق وتتبع كل الظواهر الاجتماعية والسياسية والثقافية المتعلقة به سواء في أمريكا او في خارجها، وخاصة بالنسبة للأمم التي تنافسها.
في قياس الرأي يكتفي غالبا بطرح سؤال واحد او سؤالين، ويتبع بعبارتين(صحيح، خطا)، (نعم، لا)، (موافق، معرض)، (مقبول،غير مقبول)، (يزيد، ينقص).
1- طرق قياس الرأي العام:
يتطلب قياس الرأي العام-حتى يكون عملا علميا- مايتطلبه أي بحث علمي ميداني:
أ- تحديد الموضوع.
ب- فرض الفروض.
ت- اختيار العينة (وتكون بأوسع نطاق ممكن).
ث- تحديد طريق قياس الرأي العام.
2- قياس اتجاهات الرأي العام: تقاس اتجاهات الرأي العام من خلال قياس الاتجاه، وفق المراحل التالية:
10: العناصر المكونة للرأي العام
يتكون الراي العام نتيجة تفاعل عدة عناصر نفسية او اجتماعية. وكل عنصر من هذه العناصر لا يعمل منفردا في تكوين بناء تجاه الراي العام، ولذلك فان تناولنا فيما يلي لهذه العناصر كل عنصر على حدى لا يعني انهما عناصر منفصلة عن بعضها البعض وانما تتداخل مع بعضها البعض في كثير من الاحيان وهذه العناصر هي:
أولـا: الثقافة الاجتماعية
وهي تتألف من السنن الاجتماعية (العادات والتقاليد) ومن العلوم والفنون والآداب السائدة في المجتمع. ذلك أن الأسرة كوسيلة اتصال تغرس في نفوس صغارها عادات المجتمع وتقاليده وأعرافه وآدابه وفنونه طبقا للقوالب الاجتماعية السائدة في المجتمع. ومن هنا فان الفرد في المجتمع لا يستطيع الخروج على مثل تلك الأوضاع، حتى لا يتعرض للعقاب الاجتماعي الذي يتمثل في الاشمئزاز الاجتماعي بل والطرد من الجماعة. وعلى ذلك فان الفرد إذ يلتزم بكل ذلك فانما يلتزم باتجاه جماعته نحو السنن الاجتماعية والآداب والفنون السائدة.
ولما كان الرأي العام لا يخرج عن كونه جماعة معينة نحو مشكلة معينة او حادث معين، ولما كانت الثقافة الاجتماعية من اهم عوامل تكوين الاتجاهات باعتبارها استعدادات عقلية ونفسية ناتجة عن ظروف وخبرات وتجارب مرت بالفرد.. فان مثل هذه الاتجاهات تتأثر و لا شك بالثقافة الاجتماعية.
ومن هنا فان الثقافة الاجتماعية من أهم عناصر تكوين الرأي العام.
ولقد اكدت الدراسات الميدانية ان الأسرة من الأقلية البيضاء الحاكمة سواء في جنوب افريقيا او روديسيا تنشئ أطفالها على كراهية الإفريقيين أصحاب الأرض الأصليين، وكذلك الأسرة العربية تنشئ أطفالها على كراهية العناصر الصهيونية. بل ان الطفل العربي الذي اخذ يلمس الظروف التي أحاطت باغتصاب اليهود لأرض فلسطين وتشريد المواطنين العرب وحروبها ضد العرب في سنوات 1947، 1956، 1968، 1983م يشب وقد يكون لديه اتجاه عدائي ضد اسرائيل، ويصبح على استعداد لإظهار هذا العداء ضد إسرائيل عندما يذكر امامه ما يشير الى أي عدوان اسرائيلي.
ولقد كانت وزارة المستعمرات البريطانية من أوائل الدول الاستعمارية التي أدركت حقيقة أهمية دراسة الثقافة الاجتماعية من خلال العلم المعروف بالانثروبولوجيا للوقوف على الراي العام في المجتمعات التي تخضع لنفوذهم لمعرفة ميول شعوبها واتجاهاتهم حتى يتمكنوا من السيطرة عليها. كما أصبحت وزارات الخارجية في الدول المتقدمة تعمل على تعريف ممثليها الدبلوماسيين بالثقافة الاجتماعية السائدة في الدول التي سيمثلونها فيها.
ثانــيا: الزعماء في المجتمع
لا ريب في أهمية الأدوار التي يلعبها الزعماء في توجيه الراي العام في مجتمعاتهم. فالزعيم الناجح بما يتاح له من دراسات ورؤى صافية بحكم ما لديه من بيانات ومعلومات لا تتاح لغيره يكون اقدر على معرفة الاتجاه الذي يتجه اليه مؤشر الراي العام. وذلك هو المؤشر الذي يرتبط بصورة واضحة بمشاعر وأحاسيس الناس.
ويمكن تلخيص اهم هذه العوامل في العناصر التالية:
1- العناصر الثقافية والحضاري، بما تشتمل عليه من عقيدة وقيم وعادات وتقاليد وأعراف.
2- العناصر الاجتماعية وعلى الخصوص الانتماءات الفئوية ابتداء من الأسرة مرورا بالأدوار والمراكز الاجتماعية إلى كل التنظيمات.
3- العناصر التاريخية: فالتاريخ المشترك لأي جماعة اجتماعية يعتبر احد مصادر الرأي العام.
4- العناصر السياسية: وخاصة المناخ السياسي وما يوفره من فرص لتبادل الآراء ومناقشة الأفكار وتنمية للحوار عن طريق الإقناع، او العكس من ذلك.
5- العناصر الإعلامية: الدعاية، الإعلام، الإشهار، الإشاعة ( المادة الإعلامية ).