ديداكتيك المقال الفلسفي
يطلب من دراسي الفلسفة في المراحل الثانوية والجامعية كتابة مقالات فلسفية متنوعة لأغراض الدراسة أو الأنشطة الطلابية أو غيرها، كما يمكن أن يتصدى لتلك المهمة كل من يحمل أفكاراً فلسفية، ويكون قادراً في ذات الوقت على الكتابة النثرية العلمية بصورة دقيقة، ويمكن تطوير مهارة الكتابة بواسطة القراءة المكثفة والتدريب المستمر على كتابة مقالات قصيرة وأبحاث تحت إشراف أستاذ المادة.
فن المقال
يمكنُ تعريف فن المقال على أنَّه فنٌّ من الفنون النثرية ، إلَّا أنَّ هذا الفن يكون محدود الحجم، حيث يمكن للكاتب أن يعرض فيه موضوعًا معينًا فيما لا يزيد عن صفحات قليلة، وللكاتب الحرية التامّة في اختيار الموضوع الذي يطرحه في مقاله، فقد يكون المقال دينيًا أو أدبيًا أو طبيًا أو غير ذلك، ولا يجوز للكاتب أن يتوسَّع في الموضوع المطروح فالمقال غالبًا ما يقتصر على فكرة واحدة معينة يدور حولها الكاتب ويحاول كشف وتوضيح كلِّ الجوانب التي تتعلق بها.
خصائص المقال
لا بدَّ لكلِّ مقال أن تُراعَى فيه جملة من الخصائص ويتم النظر إليها بعين الاعتبار، هذه الصفات هي:
• ترابط الأفكار: حيث يجبُ أن يُراعي الكاتب ارتباط الأفكار في المقال بشكل وثيق، وتكون الجمل منسجمة مع بعضها حيث تشكل كلُّ الجمل وحدة متكاملة من حيث المعنى والبناء الفكري.
• الإقناع: ويمكنُ للمقالِ أن يكون مناسبًا لفكر القارئ من خلال الاعتماد على ألفاظ تناسب المستوى الفكري للمتلقي ودرجة العمق او التشابك في الموضوع . ويجب أن يطرح أفكارًا ولا يطرح عواطف.
• الصياغة العالية: وتتحقّق الصياغة من خلال استعمال أسلوب لغوي مناسب قادر على النفاذ الى جوهر الموضوع .
• محدودية الحجم: يجب ألّا يتجاوز المقال بضع صفحات لكي يبقى ضمن دائرة المقالة وإلّا تحوّل إلى بحث.
• التنويع في الأساليب: وهذا التنويع قائم على طبيعة الكاتب وطبيعة الموضوع المطروح في المقالة، فالموضوع الفلسفي يعتمد اعتمادًا كبيرًا على ابراز عمق المشكلة المطروحة وتقديم الحجج الكافية لتبرير الموقف منها وهذا ما تناولناه عند التطرق لخصائص الدرس الفلسفي الذي يتميز بالخاصية الاشكالية والخاصية الحجاجية.
أنواع المقال
• تختلفُ أنواع المقالات باختلاف الموضوع الذي تعرضُه المقالات، فهناك مقالات اجتماعيّة ومقالات سياسيّة ومقالات علميّة ومقالات أدبيّة، وبالتفصيل في هذه الأنواع يكون الآتي:
• المقالة الأدبية: وهي قطعة نثرية تتمتع بالشاعرية والألفاظ الأدبية والصور الفنية التي ينتقيها الأديب الكاتب، تمتاز بالأسلوب الأدبي الرشيقوكمّ العواطف والأحاسيس التي يضعُها الكاتب فيها.
• المقالة العلمية: هي المقالة التي تعرض موضوعات علمية وتصوّرها وتبسطها وتكون مؤيدة بدلائل علمية لإثبات النظرية المطروحة فيها ويُراعى فيها خصائص المقالة المعروفة الواردة سابقًا.
• المقالة الذاتية: وهي مقالة تعرض خواطر الكاتب ومشاعره ووجهات نظره، ويقول بعض النقاد إنَّ هذه المقال يجب ألّا تحتدّ فيها الانفعالات وأن نكون بعيدة كلَّ البعد عن النقاشات والجدل والآراء وغير ذلك.
• المقالة الفلسفية: وهي المقالة التي تهتم بالمشكلات الفلسفية ويدور موضوعها حول الآراء والنظريات التي تتناول هذه المشكلات من زوايا مختلفة محاولة الفصل في النقاشات الدائرة حولها من خلال طرح التساؤلات حولها واعادة موضعتها وفق معطيات واقعية او منهجية او مستجدات علمية...ويعبر المقال الفلسفي عن مشكلة فكرية يقوم الكاتب بتحديدها بدقة وعرضها مع طرح الحلول المنطقية لها بهدف مناقشتها بصورة أوسع، وتنشأ تلك المشكلات الفلسفية كنتيجة للتساؤلات والتأملات الفكرية لكاتب المقال الذي يرغب في مشاركتها مع القراء، على أنه يجب أن يكون العرض لتلك المشكلات دقيقاً وسليماً لإيصال الأفكار بصورة واضحة.
• ولا تخرج المقالة الفلسقية عن هذا الوصف والتحديد من الناحية العامة بالنسبة لتلاميذ المستوى الثانوي مع بعض الاختلافات المرتيطة بالمستوى اللغوي والفكري والعلمي لدى التلاميذ ، وهي النقطة المركزية في العملية الديداكتيكية بالنسبة لمدرس مادة الفلسفة حيث يتوجب عليه مراعاة امكانات التلميذ وضرورة التدرج في مساعدة التلاميذ على اكتساب مهارات الكتابة الفلسفية انطلاقا من التعرف على تقنيات طرح المشكلات وضبط حدودها ومصطلحاتها ومرتكزاتها المنطقية.
كيفية كتابة مقال فلسفي
الخطوات العامة
طرح المشكلة
تعادل مرحلة طرح المشكلة الفلسفية في المقالات الفلسفية كتابة المقدمة في المقالات الصحفية وغيرها من أنواع التحرير النثري الي تم ذكرها سابقا، حيث يمهد الكاتب (التلميذ) للموضوع فيبدأ الحديث بصورة عامة عن الاشكالية الفلسفية المحددة التي يناقشها، وامتداد المشكلة محل النقاش في المقال، منتقلاً في الحديث من العام إلى الخاص حتى يصل إلى التساؤل الرئيسي الذي يكون من الضروري طرحه بصيغ استفهامية حسب الهدف النهائي لمقاله فيما اذا كان تحليليا او جدليا او مقارنا، مع ابراز التناقضات والاختلالات المنطقية التي دفعته إلى طرح تلك المشكلة الفلسفية.
يبرز الطرح الشائع في البداية، والذي يكون طرحاً خاطئاً من وجهة نظره في الأساس، ثم ينتقل إلى طرح رؤية مغايرة، مع التساؤل عن طريقة إثبات ذلك الطرح، ويراعى اختيار الكلمات المعبرة عن الحقائق والتساؤلات الفلسفية بدقة وبلغة سليمة.
العرض
تتمثل أهمية العرض في إبراز قدرة الكاتب (التلميذ)على التحليل المنطقي للأفكار والمشكلة محل المقال، ويعمل الكاتب في العرض على التوسع في طرح الفكرة وتحليلها بشكل كامل مع تدعيم الطرح والأفكار التي يوردها بالحجج المنطقية والبراهين الفكرية، مع الاستعانة بتجارب سابقة أو توظيف أمثلة واقعية أو خيالية.
كما تشمل مرحلة العرض توضيح الموقف المضاد للفكرة وتحليله لإخراج نقاط الضعف والهفوات المنطقية الخاصة به من أجل دحضه، على أن يكون النقد الفكري للنظرية المضادة لكل من الشكل والمضمون، مع استمرار إيراد النظريات الفلسفية والحجج والبراهين التي تدعم وجهة نظر الكاتب، وصولاً إلى استنتاج نهائي لمحاولة حل المشكلة.
الخاتمة
يورد الكاتب في الخاتمة أهم النقاط التي عرضها في المقال من حيث طرح الأفكار ونقدها، ووضع الحل الخاص به أو الذي يتبناه فكرياً وأهم الحجج المنطقية التي استخدمها في المقال لدعم وجهة نظره، مع مراعاة الانسجام بين الخاتمة التي تكون عبارة عن فقرة واحدة في الغالب ويحدد طولها بحسب طول المقال، وبين بقية المقال من حيث اللغة والأسلوب والعبارات الموجزة الدقيقة.