إن أي لغوي في هذه الأيام يقيس مركزه الفكري بالنسبة لمركز تشومسكي، يقال دائما بأن تشومسكي أحدثت ثورة في علم اللغة ونشر تشومسكي كتابه الأول عام 1957 وكان كتابا ضئيل الحجم مقتضبا، وكانت أفكاره غير مقيدة بالتناول العلمي والفني لقضايا هذا العلم إلى حد ما، ومع ذلك فقد كان الكتاب ثورة في الدراسة العلمية للغة ظل تشومسكي بعدها يتحدث بسطوة منقطعة النظير في كافة نواحي النظرية النحوية لسنوات طويلة.
والنحو التوليدي هو نظرية لسانية وضعها تشومسكي، ومعه علماء اللسانيات فـي المعهد التكنولوجي بماساشوسيت (الولايات المتحدة) فيما بين 1960 و 1965 بانتقاد النموذج التوزيعـي والنموذج البنيوي فـي مقوماتهما الوضعية المباشرة باعتبار أن هذا التصـور لا يصف إلاّ الجمل المنجزة بالفعل ولا يمكنه أن يفسر عددا كبيرا من المعطيات اللسانية مثل الالتباس والأجزاء غير المتصلة ببعضها البعض. فوضع هذه النظرية لتكون قادرة على تفسير ظاهرة الإبـداع لدى المتكلم وقدرته على إنشاء جمل لم يسبق أن وجدت أو فهمت على ذلك الوجه الجديد.
والنحو يتمثل في مجموع المحصول اللساني الذي تراكم في ذهن المتكلم باللغة يعني الكفاءة compétenceاللسانية والاستعمال الخاص الذي ينجزه المتكلم في حال من الأحوال الخاصة عند التخاطب والذي يرجع إلى القدرةperformence الكلامية، والنحو يتألف من ثلاثة أجزاء أو مقومات:
- مقوم تركيبي ويعني نظام القواعد التي تحدد الجملة المسموح بها في تلك اللغة.
- مقوم دلالي ويتألف من نظام القواعد التي بها يتم تفسير الجملة المولدة من التراكيب النحوية.
- مقوم صوتي وحرفي يعني نظام القواعد التي تنشئ كلاما مقطعا من الأصوات في جمل مولدة من التركيب النحوي.
والشبكة النحوية composanteيعني البنية النحوية مكونة من قسمين كبيرين. الأصل الذي يحدد البنيات الأصلية والتحويلات التي تمكن من الانتقال من البنية العميقة المتولدة عن الأصل إلى البنية الظاهرة التي تتجلى في الصيغة الصوتية وتصبح بعد ذلك جملا منجزة بالفعل.
وهكذا يولد الأصل ضربين من التركيب:
أولا: الأم سمعت صوتا
ثانيا: الطفل يغني
والقسم التحويلي للنحو يمكن من القول:
الأم سمعت أن الطفل يغني.
ثم الأم سمعت الطفل يغني.
وليست هذه إلاّ بنية ملتبسة لا تصبح جملة فعلية منجزة إلاّ بنقلها إلى القواعد الصوتية والأصل مكون من قسمين:
أ- القسم أو الأصل التفريعي وهو مجموع القواعد التي تحدد العلاقات النحوية التي هي العناصر المقومة للبنية العميقة وتمثيلها في رموز تصنيفية هكذا:
ت س + ت ف، و ت س هو رمز للصنف الاسمي، و ت ف رمز للصنف الفعلي، والعلاقة النحوية هي علاقة الفعل بالفاعل (ت = تركيب، س = اسمي، ف = فعلي).
ب- المعجم أو قاموس اللغة هو مجموع الوجوه الصرفية المعجمية المحددة في أصناف من الخصائص المميزة، فنجد أن كلمة الأم تحدد في المعجم بأنها اسم مؤنث حي إنساني. فالأصل هو الذي يحدد الرموز: « ال» أداة التعريف، « س» اسم، « ف» فعل في الحاضر. واامعجم يستبدل كل رمز بكلمة من اللغة.
الأم (ال + أم) زمان (ز) أنهت النسج.
قواعد تحويل هذه البنية العميقة إلى بنية ظاهرة
ال + أم انتها + زمان + ال + نسيج (الأم نسجت)
وفي الوقت ذاته تخرج في قواعد صوتية: الأم أنهت النسيج.
فاستنتجنا من خلال الأصل مجموعة من المقومات النهائية (terminales) والمكونات النحوية سواء من حيث العدد أو من حيث الحال.
يضاف إليها الصيغ الصرفية وهي مهيئه لاستقبال المعاني حسب القواعد الموجودة في الصيغ الدلالية ولكي تتحقق تعرض على المنوال التحويلي.
وعمليات التحويل تقلب البنيات العميقة إلى بنيات ظاهرة دون أن تمس بالتحويل أي بالتأويل الدلالي الذي يجري في مستوى البنيات العميقة. أما التحويلات التي كانت وراء وجود بعض المقومات فإنها تتم في مرحلتين إحداهما بالتحويل البنيوي للسلسلة التركيبية لكي نعرف هل هي منسجمة مع تحويل معين؟ والثاني باستبدال بنية هذا التركيب بالزيادة أو بالحذف أو بتغيير الموضوع أو بالإبدال، فنصل حينئذ إلى سلسلة متتالية من التحويلات تتطابق مع البنية الخارجية، و هكذا يكون حضور العامل المجهول في متتالية الأصل تؤدي إلى تغيرات تجعل من جملة: الأب يقرأ الجريدة / الجريدة قرئت من الأب، وهذه السلسلة من الكلمات المتتالية تحول إلى جملة منجزة بالفعل في المستوى الحرفي والصوتي، وهذه القواعد تحدد الكلمة المشتقة من التصرف في النسيج المعجمي وفي المقومات النحوية وتزودها ببنية صوتية. فالتركيب الحرفي هو الذي يحول المفردة المعجمية «الطفل» إلى جملة من العـلامات الصوتية: ال/طف/ل، وعلى النظرية التوليدية أن تعطينا قاعدة صوتية (عامة) كونية تمكن من وضع قائمة للوجوه الصوتية وقائمة للأنسجة الممكنة في هذه التراكيب باعتمادها على النسخة الأم، أي النسخة الكونية (القادرة على ضبط قائمة بالخصائص الصوتية وقائمة على التراكيب الممكنة بين هذه الخصائص والأنسجة الممكنة التي تلتئم معها.
والخصائص الصوتية والنظرية يجب أن تمدنا بنظرية دلالية كونية قادرة على وضع قائمة بالمفاهيم الممكنة، وتتطلب إذن وجود أصل كوني يكون النسخة الأم التي تولد الخصائص الدلالية. وفي الأخير على هذه النظرية أن تقدم لنا نظرية تضبط التراكيب النحوية أعني (وضع) قائمة بالعلاقات النحوية الأصلية وقائمة بالعمليات التحويلية التي تكون قادرة على إعطاء وصف بنيوي لجميع الجمل، فهذه المواضيع تكون إذن مهام عالمية على النحو التوليدي أن يضبطها في وجوه لسانية كونية في مستوياتها الثلاثة؛ الصوتية والدلالية والتركيبية.