مفهوم النحو:
النحو لغةً: ترجع معاني النحو في اللغة إلى عدة معانٍ: منها القصد، والتحريف، والجهة، وأصل هذه المعاني هو القصد؛ لأن النحو مأخوذٌ مِن قول أبي الأسود الدُّؤَلي، عندما وضع كتابًا فيه جمل العربية، ثم قال: "... انحوا هذا النحو"؛ أي: اقصدوه، والنحو القصد، فسُمِّي لذلك نحوًا". وهذا ما يُسْتَشَفُّ مِن كلام اللغويين؛ يقول ابن فارس: "النون والحاء والواو كلمةٌ تدل على قصد...، ولذلك سُمِّي نحو الكلام؛ لأنه يقصِد أصول الكلام، فيتكلم على حَسَبِ ما كان العرب تتكلم به". كما يدل عليه أيضًا كلام ابن منظور في لسان العرب؛ إذ ذهب إلى هذا المعنى بقوله: "والنحو القصد، والطريق...، نحاه ينحوه وينحاه نحوًا، وانتحاه، ونحوُ العربية منه...، وهو في الأصل مصدر شائع؛ أي: نحوت نحوًا؛ كقولك: قصدت قصدًا، ثم خص به انتحاء هذا القبيل من العلم، وفي المعجم الوسيط: "النحو: القصد، يقال: نحوتُ نحوه: قصدت قصده".
النحو اصطلاحًا: إن أقدم تعريفٍ اصطلاحيٍّ للنحو على الأرجح، هو تعريف ابن السراج، الذي يقول فيه: "النحو إنما أُرِيد به أن ينحو المتكلِّم إذا تعلَّمه كلامَ العرب، وهو علمٌ استخرجه المتقدِّمون فيه مِن استقراء كلام العرب، حتى وقفوا منه على الغرض الذي قصده المبتدئون بهذه اللغة". ويتَّضِح الربط بين المعنى اللُّغوي والاصطلاحي لهذا التعريف، في تصديره له بما يشير إلى المعنى اللغوي الذي هو القصد. وعرَّفه ابن جني بقوله: "هو انتحاءُ سَمْتِ كلام العرب في تصرُّفه؛ من إعراب وغيره؛ كالتثنية، والجمع، والتحقير، والتكسير، والإضافة، والنَّسب، والتركيب، وغير ذلك، ليلحق مَن ليس مِن أهل اللغة العربية بأهلها في الفصاحة، فينطق بها وإن لم يكن منهم، وإن شذَّ بعضهم عنها، رُد به إليها".
واضع علم النحو:
اختلفت الآراء فيمَن نُسِبت إليهم الخطوات الأولى في وضع النحو العربي: يقول السِّيرافي: اختلف الناس في أولِ مَن رسم النحو، فقال قائلون: أبو الأسود الدؤلي، وقيل: هو نصر بن عاصم، وقيل: بل هو عبدالرحمن بن هرمز، وأكثر الناس على أنه أبو الأسود الدؤلي. وتضطرب الروايات في السبب المباشرِ الذي جعل أبا الأسود يُؤلِّف في النحو لأول مرة، فمِن قائل: إنه سمع قارئًا يقرأ الآية الكريمة: ﴿ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ﴾ [التوبة: 3]،بكسر اللامِ في رسوله، فقال: ما ظننتُ أمرَ الناس يصل إلى هذا، واستأذن زياد بن أبيه والي البصرة (45 - 53 هـ). وقيل: بل استأذن ابنَه عُبَيدالله واليَها مِن بعده (55 - 64هـ)، في أن يضع للناس رسم العربية. وقيل: بل وفد على زياد، فقال له: إني أرى العرب قد خالطَتِ الأعاجم وتغيَّرت ألسنتهم، أفتأذَن لي أن أضع للعرب كلامًا يعرفون به كلامهم. وقيل: بل إن رجلًا لحن أمام زياد أو أمام ابنِه عُبيدالله، فطلب زياد أو ابنه منه أن يرسم للناس العربية. وقيل: إنه رسمها حين سمع ابنتَه تقول: "ما أحسنُ السماءِ"، وهي لا تريد الاستفهام، وإنما تريد التعجب، فقال لها قولي: "ما أحسنَ السماءَ". وفي رواية أنه شكا فسادَ لسانِها لعليِّ بن أبي طالب، فوضع له بعض أبوابِ النحو، وقال له: انحُ هذا النحو، ومِن أجل ذلك سُمِّي العلم باسم النحو. وقد أشرك بعضُ الرواة معه في هذا الصنيع تلميذيه نصر بن عاصم وابن هرمز؛ إذ يقول الزَّبِيدي: "أولُ مَن أصَّل النحو وأعمل فكرَه فيه أبو الأسود ظالِمُ بنُ عمرٍو الدؤلي، ونصر بن عاصم، وعبدالرحمن بن هرمز؛ فوضعوا للنحو أبوابًا وأصَّلوا له أصولًا، فذكروا عوامل الرفع والنصب والخفض والجزم، ووضعوا باب الفاعل والمفعول والتعجب والمضاف".
وذهب بعض الدارسين - منهم شوقي ضيف - إلى أن هذا مِن عبث الرواة الذين ظنوا أنه وضع النحو، وهو إنما رسم إعراب القرآن الكريم عن طريق نَقْط أواخر الكلمات فيه، وحَمَلَ هذا الصنيع عن أبي الأسود تلاميذُه مِن قراء الذكر الحكيم، وفي مقدمتِهم نصرُ بنُ عاصم وعبدالرحمن بن هرمز، ويحيى ين يعمر، وعنبسة الفيل، وميمون الأقرن، فكل هؤلاءِ "نقطوا المصحف وأُخذ عنهم النقطُ، وحُفظ وضُبط وقُيِّد وعُمل به، واتُّبِع فيه سُنتهم، واقتُدي فيه بمذاهبهم".
وأضافوا إلى ذلك عملًا جليلًا أحاطوا به لفظَ القرآن الكريم بسياجٍ يمنَعُ اللحن فيه، مما جعل بعض القدماء يظنُّ أنهم وضعوا قواعد الإعراب أو أطرافًا منها، وهم إنما رسَموا في دقةٍ نقطَ الإعراب لا قواعدَه، كما رسموا نقط الحروف المعجمة مِن مثل الباء التاء والثاء والنون.
وعلى الرغم من هذا التردُّد بين الرواة والمؤرِّخين في الحَسْم في واضع هذا العلم، فإن المتفق عليه بينهم أن مرحلةَ الوضع والتكوين كانت للمدرسة البصرية، ولم تظهَر المدرسة الكوفية إلا في طور النُّشوء والنمو، لينضجَ العلم ويستوي على سُوقه في ظلِّ النقاشات بين المدرستين "البصرية والكوفية"، ليعرفَ العلم تطورًا مهمًّا في طورِ الترجيح والبسط في التصنيف، بظهور مجموعةٍ مِن المدارس؛ كالبغدادية، والأندلسية، والمِصرية، والشامية، ويصعب الفصلُ بين هذه الأطوار تاريخيًّا؛ لأنها متداخلة، ولا يتأتَّى إلا بتحديد طبقات الرواد مرتبةً.
فمن رواد المدرسة البصرية نجد ابن أبي إسحاق، وعيسى بن عمر الثقفي، وأبا عمر بن العلاء، ويونس بن حبيب، والخليل بن أحمد، وسيبويه، والأخفش وتلاميذه، والمبرد وأصحابه. وأما رواد مدرسة الكوفية؛ فمنهم: الكسائي، وتلاميذه، وهشام بن معاوية الضرير، والفراء، وثعلب، وأصحابه. وأما رواد المدرسة البغدادية؛ فمنهم: ابن كيسان، والزجاجي، وأبي علي الفارسي، وابن جني. وأما في الأندلس، فقد برز أبو مضاء القرطبي، وابن عصفور، وابن مالك. وأما المدرسة المصرية، فمن روادها: ابن الحاجب، وابن هشام.
ولعلَّ الداعي إلى ظهور هذه المدارس هو تعدُّد الاجتهادات والأدلة في القضايا النَّحْوية، وما سمي بالتعليل النحوي.
المؤلفات الأولى في علم النحو:
- الكتاب لسيبويه.
- الخصائص، واللمع لابن جني.
- الأصول في النحو لابن السراج.
-المقتضب للمبرد.
- المفصل لجار الله الزمخشري.
- همع الهوامع في شرح جمع الجواع لأبي البركات الأنباري