تعليمية الفلسفة /ماستر1 /أ نعمون مسعود
(تعليمية الدرس الفلسفي)

تعتبر مسألة منهجية التدريس الفلسفي إحدى القضايا المطروحة في حقل تعليمنا الثانوي للفلسفة؛ فقد عرف هذا التعليم تحولات متعددة، من حيث الممارسين والمشرفين عليه، ومن حيث محتوياته ووسائله، وظل سؤال الأسلوب التعليمي الفلسفي مطروحا. وعلى الرغم من التجارب والاجتهادات، التي تبلورت كجواب على سؤال منهجية تدريس الفلسفة، فإن هذا السؤال لا يزال يطرح حاليا، إن على مستوى النظر الديداكتيكي، أو على مستوى الممارسة والإنجاز الفعلي . ـ كيف ندرس هذا الدرس أو ذاك؟؟ ـ كيف ننجز درس الفلسفة بواسطة النصوص؟؟ ـ ما هو الأسلوب الكفيل بأن يجعل درس الفلسفة فلسفيا؟؟ بهذه الصيغ، وما يماثلها، يطرح سؤال منهجية درس الفلسفة نفسه، وهو يعكس عدم بلوغ هذا الدرس مستوى المنهجية التي ينشدها، كما يعكس حاجته إلى المزيد من البحث النظري والتربوي من أجل صياغة أسلوب تعليمي للفلسفة يطابق روح الفلسفة ومنطقها التفكيري(1 ). وهكذا، وقصد تحقيق هذا المستوى المنشود وتحصيل هذا الأسلوب المفقود، اتجه أهل التعليم الفلسفي إلى تدريب بواسطة نصوص الفلاسفة، تقريبا للغتهم وفكرهم. كما تم الاتجاه إلى بعض التجارب الديداكتيكية الأجنبية للقول بتدريس للفلسفة يعتمد على الاستشكال (Problématisation) والمفهمة (Conceptualisation) والحجاج (Argumentation)، باعتبارها جوهر ممارسة التفكير الفلسفي عند الفلاسفة أنفسهم(2). ورغم ذلك، فإن هذا المسلك لم يضع حدا لسؤال المنهجية في تدريس الفلسفة؛ إذ ظل هذا السؤال يطرح نفسه، وإن أخذ صيغة أخرى: كيف يمكن بناء درس الفلسفة بواسطة النصوص؟؟ وكيف يبنى درس الفلسفة بناء كليا باعتماد "الاستشكال" والمفهمة والحجاج؟؟ وهكذا، وبقدر ما يتطلع الطموح النظري لمدرس الفلسفة إلى الاستفادة من الفلاسفة وخطاباتهم، من جهة، بقدر ما تفرز الممارسة العملية قلق الدرس الفلسفي بحكم استمرار سؤال المنهجية المشار إليه. لماذا لم نفصل القول بعد في منهجية الدرس الفلسفي؟ يبدو أن "غموض العبارة" و"تعقيد المصطلح" و"تجزيء المنهجية" هي أمور حالت دون فصل القول في الموضوع، وأعادت إنتاج سؤال: كيف ننجز درس الفلسفة؟؟(3). إن هذا السؤال طال زمنه، ونخشى أن يتحول استمراره إلى خلوده؛ فيصبح من قبيل السؤال الفلسفي نفسه! نعم، إن سؤال الفلسفة هو سؤال يتجدد، وكل جواب في تاريخ الفلسفة يتحول إلى سؤال، ولكن سؤال منهجية تدريس الفلسفة هو أمر في حاجة إلى جواب؛ وإن كان جوابا غير نهائي فهو جواب ممكن على الأقل. جواب ممكن: بعيدا عن غموض العبارة، وتجنبا لتعقيد المصطلح وتجزيء المنهجية، نقدم جوابا ممكنا عن سؤال المنهجية في درس الفلسفة؛ وذلك باستلهام أحد فلاسفتنا العرب، فيلسوف المغرب والأندلس، "أبي الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد" (520-595هـ). ونؤسس هذا الجواب الممكن على ما يلي: أ ـ إن درس الفلسفة، ولكي يتسم بالطابع الفلسفي، يقتضي أن يستلهم منهجيته من خطاب الفلسفة، ومن منطق التفكير والكتابة كما مارسها الفلاسفة