:- البيئة كمحدد لقياس التنمية المستدامة
(12)

يسود الاعتقاد أن النظام الاقتصادي العالمي يمكنه الاستمرار في نفس المسار دون
مراعاة العوامل البيئية، ويعتقد كذلك أن ذلك ناشئ عن النظرة الاقتصادية. الأحادية للعالم،
حيث أن التاريخ الطويل للعلاقات المتبادلة بين البشر والطبيعة تشير إلى درجات لتأثيرات
البشر على البيئة بشكل متوافق، مع تطور الحياة البشرية، ولذلك فإن ما حدث من تدهور
خطير للبيئة في عصرنا الراهن لم يكن سوى نتاجا لاستخدام الإنسان لقدراته في التأثير
على البيئة، وفي استغلال واستنزاف مواردها دون الأخذ في الاعتبار لتلك النتائج والآثار
السلبية المضرة به.

إن المسائل البيئية والتنموية التي كانت مستقلة بعضها عن بعض في وقت من
الأوقات، أصبحت الآن متداخلة لا يمكن فصلها، فالتدهور البيئي يدفع الناس بنسب متزايدة
إلى الفقر، حيث أن الناس الذين تقل آمالهم يلجؤون إلى استهلاك أصول الموارد التي
يعتمدون عليها، والنظم الاقتصادية العالمية تساهم في عملية عرقلة التنمية البيئية
واستعمالاتها.

ولتعديل هذا الوضع فإنه يتعين على الصناعات )المؤسسات( والحكومات تغيير
نظرتها للعالم، وذلك بتقليل التركيز على الاعتبارات التي تركز على الأرباح الاقتصادية
قصيرة الآجال والعائدات المترتبة على أعمالها والتركيز على الأنشطة التي يترتب عليها
أرباح طويلة الأمد وهي تلك التي تراعي حماية القدرات البيئية المتوفرة.
ولتحقيق ذلك يجب أن ينجح كل العالم في خلق نظام متواصل اقتصاديا وبيئيا، فلابد
من وجود تصور ورؤية لمسار استدامة العملية التنموية.

فمثلا إذا لم يتم استخدام الوقود الحضري بأنواعه لتزويد المجتمع بالطاقة فما هو
البديل؟، وإذا لم يعد ممكنا إزالة الغابات لزراعة الغذاء، فكيف يتم إطعام السكان، وإذا كانت
الثقافة التي تتسم بإنتاج منتجات يتم التخلص منها بعد استعمالها مرة واحدة تؤدي إلى التلوث
حتما، فكيف يمكن تلبية الحاجات المادية للأعداد المتزايدة للسكان؟.

أي أنه إذا كان هذا المسار غير صحيح وغير سليم، فكيف يمكن للعالم أن يصل إلى
مجتمع عالمي يمكنه البقاء والاستمرار؟
فالتعامل لا يجب أن يكون فقط مع القضايا الآنية الملحة، أو القضايا ذات الأمد
القصير، بل أيضا مع الاستعداد لمجابهة تحديات المستقبل وخاصة البعيدة الأمد منها، فالتنمية
المستدامة هي مسؤولية الحكومات ثم المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة، والمنظمات المختلفة
ثم يأتي دور المشاركة الشعبية الواسعة، والأداء التنفيذي للمنظمات والهيئات غير الحكومية
ومؤسسات المجتمع المدني.1


وعموما فإن فكرة التنمية المستدامة هي القاعدة الأساسية التي بنيت عليها
الإستراتيجية الدولية للقرن الواحد، وهي الفكرة التي تجعل من البيئة محددا أساسيا في
علاقته بالعملية التنموية في كل بلدان العالم.

-1مفهوم الاستدامة:

الاستدامة هي أن لا يقل الاستهلاك بمرور الزمن ،2لكن السؤال المطروح هو ماذا
يلزم لتحقيق ذلك؟، فقد تبين أن قدرة بلد ما على الاستدامة، بمعنى أن استمرار الاستهلاك
والمنفعة يتوقف على التنويع في الموارد أو الثروة، وارتفاع الرفاهية بين الأجيال، يأتي مع
ازدياد الثروة مع مرور الوقت، وفي ظل وجود بدائل بين الموارد على مر الزمن.

-2تعريف البيئة:

البيئة كلمة يونانية الأصل تعني البيت أو المنزل، وعلم البيئة أو الأيكولوجيا يركز
على عملية التوازن بين الكائنات الحية، وإذا اختل هذا التوازن، ظهر معه الاختلال البيئي،
ولذلك يهتم هذا العلم بالخصائص المختلفة والمتداخلة بين الكائنات.3
ومنذ عدة سنوات بدأ الاهتمام العالمي بالبيئة وتأثيرها على المجتمعات والأداء
الاجتماعي والبيئي، فمنذ أوائل ستينات القرن العشرين بدأ الاهتمام بالأثر الكبير للبيئة على
المجتمع، مثل استغلال الموارد، وتحسين الأمن الصناعي وظروف التشغيل والإنتاجية
وتطوير المجتمع، حيث أن تمثل النظام الكامل الذي تعيش فيه المجتمعات الإنسانية، وعليه
فالنظام البيئي، يتضمن البيئة الطبيعية، والبيئة المصطنعة، والبيئة الاجتماعية، وقد قام أقدم
برنامج للأمم المتحدة للبيئة بإصدار تقرير استعرض بعض المؤشرات التي تدعم التقييم
البيئي العلمي والعالمي والذي يهدف إلى التكامل بين مجموعة من الاعتبارات البيئية عند
اتخاذ أي قرارات مصيرية تتعلق بمستقبل البشرية، وقد ظلت مشكلة البيئة جزءا هاما من
الحياة الاقتصادية والاجتماعية في جميع مناطق العالم.

-3النظام البيئي:

النظام البيئي عبارة عن تفاعل عناصر البيئة وفق نظام يطلق عليه النظام البيئي،
وهذه العناصر هي ما يحتويه أي مجتمع من موارد وكائنات حية، وغير حية ،4ولذلك فإن
اختلال التوازن بين هذه العناصر يؤدي إلى اختلال النظام البيئي، مما يؤدي إلى المشكلات
الاجتماعية والطبيعية، مثل تلوث البحار والأنهار والمحيطات وتلوث الهواء، وإصابة سكان
الأرض بالعديد من الأمراض، وغرق العديد من المناطق، واختلال طبقة الأوزون.
وعليه فالبعد البيئي أصبح يحتل مكانة متقدمة بين دول العالم وخاصة المتقدم، كما
أخذت الدول النامية، تستيقظ من عدم الوعي الذي أدى إلى تطورات بيئية خطيرة، كانت
نتاجا للتقدم العلمي والصناعي والتكاثر السكاني، مما أدى إلى تفاقم المشكلات البيئية مما
أدى أحيانا إلى كوارث طبيعية حقيقية.

-4العلاقة بين البيئة والتنمية المستدامة:

اهتم مؤتمر ستوكهولم بالعلاقة بين البيئة والتنمية، فكان هناك اقتناع عام بأن مشكلات
البيئة والتنمية متداخلة ولا يمكن فصلها عن بعضها البعض، ومنذ ذلك الوقت، ظهر مصطلح التنمية المتواصلة أو التنمية المستدامة.

فعلى المستوى البيئي، التنمية المستدامة هي الاستخدام الأمثل للأراضي الزراعية
والموارد المائية، مما يؤدي إلى مضاعفة المساحة الخضراء.
وعليه يستلزم في إطار التنمية المستدامة عدم الإساءة إلى موارد الشروط الطبيعية
واستخدامها مع الحرص عليها.

حيث عمل أحد المعاهد الأمريكية مع الشركات والمجموعات الصناعية على إصدار
تقرير حول العلاقة بين البيئة والتنمية المستدامة.
فالتنمية المستدامة يمكن تحقيقها بشكل أفضل من خلال إدارة الحياة البيئية بشكل
أمثل، وذلك من خلال:

-وضع مشاريع معنية بحل مشاكل مخلفات المناطق الحضرية.

-وضع مشاريع معنية بتدوير مخلفات النشاط الزراعي.

-وضع مشاريع معنية بتدوير مخلفات النشاط الصناعي وغير المضرة.

-وضع مشاريع معنية بتدوير مخلفات النشاط الصناعي الخطيرة.

-وضع مشاريع معنية بدعم الإدارة المتكاملة لمخلفات الإنسانية.

-5العلاقة بين السكان والبيئة والتنمية المستدامة:

انطلاقا من كون البيئة هي مختلف الأشياء التي تحيط بنا وتؤثر على جميع الكائنات
الحية على سطح الأرض، متضمنة الماء والهواء والتربة والمعادن والمناخ، والكائنات
أنفسهم، كما يمكن وصفها بأنها مجموعة من الأنظمة المتشابكة مع بعضها البعض إلى
درجة التعقيد، والتي تؤثر وتحدد بقاء الإنسان في هذا العالم المصغر والتي يتعامل معها
بشكل دائم.5

وعليه فالبيئة نوعان:

-مادية: ماء، هواء، أرض.

-بيولوجية: نباتات، حيوانات، إنسان.

وفي ظل التقدم والمدنية التي يعيشها العالم، فإنه يمكننا تقسيمها إلى ثلاثة أنواع
أخرى:

-بيئة طبيعية: هواء، ماء، أرض.

-بيئة اجتماعية: القوانين والنظم التي تحكم العلاقات الداخلية للأفراد إلى جانب
الهيئات والمؤسسات الاجتماعية والسياسية.

-بيئة صناعية: قرى، مدن، مزارع، مصانع، شبكات.
ومنه فإن عناصرها منها الحية ومنها عناصر الاستهلاك، وعناصر التحليل وغير
الحية والأنشطة الممارسة في نطاق البيئة.

وعند اختلال العلاقة بين الإنسان وبيئته يعكس ذلك سلبا على العملية التنموية وخاصة
على المدى البعيد، ومن بين المشكلات البيئية التي يتسبب فيها الإنسان بشكل مباشر ونجد
انعكاساتها على التنمية المستدامة ما يلي:

أ-المشكلة السكانية:

إن الزيادة المستمرة في عدد السكان هي إحدى أكبر المشكلات الكبيرة التي تعانيها
المجتمعات المتخلفة، وتعد هذه المشكلة السبب الرئيسي لحدوث أية مشاكل أخرى تحدث
للإنسان، فالتزايد المستمر للسكان يكون على حساب كل ما يحدث من حولنا في البيئة في
مختلف المجالات سواء، غذائي أو صناعي أو تجاري أو تعليمي أو اجتماعي، بالإضافة
إلى ضعف معدلات الإنتاج مقارنة مع نسب الاستهلاك المرتفعة.
كما أن النمو السكاني ينعكس مباشرة على تلوث البيئة، ومن ثم الإمكانيات التنموية،6

فضلا عن الزحام في المدينة والذي يؤدي إلى اقتطاع المزيد من الأراضي الزراعية
وتخصيصها للبناء، فيكون ذلك على حساب الإمكانيات الزراعية والغذائية.

ب-المشكلة الزراعية:

عدم التوسع في المساحات الزراعية بنفس درجة الزيادة في عدد السكان، يؤدي إلى
الاستخدام الزائد للأرض، مما يقلل من درجة خصوبتها، كما تقلل عوامل التعرية من إنتاجية الأرض، ما ينعكس سلبا على قدرات وإمكانيات الدول في توفير الغذاء اللازم للأجيال الحالية وبشكل أخطر بالنسبة للأجيال المستقبلية.

جـ-مشكلة التلوث:

يؤدي تلوث المياه إلى تناقص الثروة السمكية والثروة السياحية، وزيادة ندرة المياه
الصالحة للاستخدام المنزلي أو الزراعي، كما يؤثر على الصحة العامة، كما أن سوء استخدامالماء يزيد من ندرته، وهو ما يشكل عائق أمام التنمية مع مرور الزمن، زيادة على انعكاساتالتلوث على الطقس وما يصاحبه من آثار تقلل من قدرة البيئة على استيعاب المزيد منالانبعاثات وبالتالي تقييد عملية التنمية مستقبلا.

د-مشكلة الغطاء النباتي أو الغطاء الأخضر:


إن تدمير الغابات في مختلف قارات العالم، يعتبر من أهم الأخطار التي تهدد البيئة،

حيث أن ذلك يؤثر مباشرة على زيادة حدوث الفيضانات، مما يغرق المساحات الواسعة من
الأراضي الزراعية ما يؤثر بدوره على مستقبل التنمية.
وفي لقاء ضم مجموعة من الخبراء من مختلف دول العالم في الأمم المتحدة، تمت
مناقشة العلاقة بين السكان والبيئة والتنمية المستدامة، فكان من أبرز الحقائق التي تم الإشارة
إليها:

ينمو سكان العالم بمعدل %1.7سنويا، و %90منهم يتركزون في البلدان النامية،
هذه الزيادة يصاحبها هجرة بمعدلات مرتفعة من الأرياف إلى المدن، حتى أصبحت السكان
تعاني من التكدس بالسكان والصناعات حيث أن ما يفوق %50من الناتج الصناعي بهذه
البلدان يتركز في مدنها، وهذا الضغط السكاني هو السبب الرئيسي وراء ارتفاع درجات
التلوث وتدهور حالة الخدمات العامة من طرق ومياه وكهرباء ومدارس ومستشفيات ومن
ثم تدهور الوضع التعليمي والصحي العام، والنتيجة مستويات تنموية متدنية.

قائمة المراجع:

1أندرو ويبستر: ترجمة عبد الهادي محمد والي والسيد عبد الحليم الزيات: مدخل إلى علم اجتماع التنمية، دار المعرفة
الجامعية، مصر، ،1995ص .85
2نفس المرجع، ص .90
3أحمد زكي بدوي: معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، مكتبة لبنان، بدون سنة، ص.122
5عبد القادر محمد عبد القادر عطية: اتجاهات حديثة في التنمية، الدار الجامعية، الإسكندرية، مصر، سنة ،2000ص
.93-92 ص

6Anand, S: Human dévelopment in poor contries: on the role of private incomes and publicservices, journal of economic perspectures, writer, 2006, pp133,134.