أهمية وسائل الإعلام في المجتمعات الحديثة |
المحاضــــــرة الأولــى :
من سمات مؤسسات الإعلام التي تضطلع بمهمة الاتصال الجماهيري ما يلي:
- أنها تهتم أساسا بإنتاج وتوزيع المعرفة في شكل معلومات وأفكار ومواد ثقافية ، وذلك تلبية للحاجات الاجتماعية التي تشكل في مجموعها حاجات الأفراد .
- تقدم القنوات الاتصالية الناس بعضهم إلى بعض ، مرسل إلى مستقبل ، أعضاء الجمهور إلى آخرين منهم .
- تعمل في المجال العام ، حيث ترتبط بالأحداث التي يعيشها الرأي العام .
إن المؤسسة الإعلامية بمقدورها الوفاء بوظائفها ووظائف المؤسسات التربوية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية بوساطة وسائل الإعلام وفاعليتها في الوصول والتأثير بدرجات تفوق أدوات المؤسسات ووسائطها الأخرى في المجتمع، وفي الحقيقة، فإن مؤسسات الإعلام أصبحت الحاضن الطبيعي لأنشطة المؤسسات الاجتماعية الأخرى، لأنها أصبحت أكثر حضورا في الحياة الاجتماعية، والتي أصبحت تدار بدرجة كبيرة من قبل وسائل الإعلام ، هذه الأخيرة ساعدت على توحيد رؤية ومشاعر البشر للعالم وأحداثه القريبة والبعيدة ، وتمدد حواس الإنسان ومدركاته خارج نطاق الزمان والمكان .
وتأكيدا للدور الباهر لهذه المؤسسات، فقد أثبتت الدراسات الخاصة بمضامين وسائل الإعلام والصور الانطباعية التي خلقتها في أذهان الجمهور، وجود تطابق بين وجهات نظر الجمهور وتفسيراتهم للواقع والمضامين الإعلامية التي بثتها وسائل الإعلام وتعرضوا إليها بشكل أو بآخر.
وإذا كانت مؤسسات الإعلام هي الوسيلة الوحيدة التي تؤدى بها الرسالة الإعلامية سواء التلفزيون أو الصحافة أو الإذاعة أو الانترنيت، فإنها من جانب آخر تمثل جزءا من تمثلات النظام الاجتماعي، بل إنها واحدة من المظاهر التي تشكل خيوط وتجليات ذلك النظام، ولذلك فقد أكد ماكلوهان أنها "امتداد لحواسنا " كما يعتبر أن لها دورا أساسيا في عملية الاتصال بل وفي تنظيم المجتمع كله ".
كما تلعب دورا محوريا في بناء الخلفية المعرفية والثقافية للجمهور، حيث أن معاني وتفسيرات الواقع يتم بناؤها على أساس اجتماعي، وقد أصبح من الواضح أننا نتعامل وبشكل متزايد مع عالم لم نختر نحن واقعه بأنفسنا، إنما نعتمد على وسائط، ولذلك فإن ما ندركه بالفعل ليس هو الواقع بالفعل حتما، وإنما صورة ممثلة عن الواقع. ولعل أحد السمات الأساسية لتحول الإنسان إلى عصر الجماهيري هو أن صلة الإنسان بصور من الواقع المادي والاجتماعي من خلال هذه الوسائل تفوق صلته كما وكيفا بالواقع الحقيقي الضيق المحيط به.
ولقد أضحت وسائل الإعلام اليوم تشكل الدور الرئيس في تصرفات البشر، إذ أن عملية الاتصال ليست ضرورية فقط لمختلف أشكال تطور الفرد، وإنما ضرورية كذلك لمختلف أشكال تطور الأمم ، وتعقيبا على أهمية وسائل الإعلام في حياتنا الاجتماعية، أكد شرام على أن " معظمنا يعتمد على مخرجات وسائل الإعلام الجماهيرية بالنسبة للغالبية العظمى من الأخبار والتسلية التي نحصل عليها خلال حياتنا، إنه واضح جدا أن ما نعرفه عن الشخصيات والقضايا العامة يعتمد بطريقة كبيرة جدا على ما تقوله وسائل الإعلام، إننا نخضع دائما للصحافة وليس لدينا قدرة للقيام بأي شيء في هذا الشأن لوحدنا، إننا لا نستطيع إلا رؤية القليل جدا". حيث أنه في مجتمعات اليوم تعتبر وسائل الإعلام الوحيدة القادرة على مدنا بكل ما يتعلق بأحداث البيئة، حيث تقوم بتغطية كل تجليات الواقع.
وفي هذا الصدد أكد ليبمان أن الناس يتصرفون ليس على أساس ما يحدث فعليا أو ما حدث فعلا، وإنما على أساس ما يعتقدون أنه الموقف الحقيقي بناء على وصف قدمته وسائل الإعلام.
كما تقوم المؤسسات الإعلامية بمهمة توجيهية إلى جمهور كبير ومتنوع من حيث الأفكار والاتجاهات والميول والانتماءات، وذلك بهدف التأثير عليهم بصورة أساسية، وبالتالي تسعى إلى خلق تقارب بين مستويات هذه الجماهير ثقافيا واجتماعيا، من خلال تكييف الرسائل وخصائص الجمهور.
وتؤدي وسائل الإعلام دورا هاما في تكوين الرأي العام المستنير الذي يستطيع أن يصل إلى إطلاق حكم على الأمور بشكل صائب، حيث لن يتأتى له ذلك إلا من خلال توافر المعلومات الكافية حول أي قضية، كما تستطيع أن تجعل الجماهير على وعي كامل بما يجري حولهم من تطورات في المجالات المختلفة، ومن هنا كانت أهمية الإعلام في تنمية المجتمعات من خلال الأخبار الصادقة ، والآراء الجديدة الهادفة إلى تحقيق التقدم والرخاء للمجتمع.
إن عملية الاتصال الجماهيري تتم في سياق خاص، يستند إلى خصائص المجتمع الذي تنشط فيه، و السياق في أي مجتمع من المجتمعات يشتمل على مجموعة من المتغيرات الشخصية والثقافية والاقتصادية والسياسية والإيديولوجية والقيادية، بالإضافة إلى البنية التحتية، ولذا فإن وسائل الاتصال يمكنها أن تكون فعالة في أي مجتمع حينما نأخذ في الاعتبار المتغيرات السابقة، علما أن هذه الوسائل تخضع في ممارسة نشاطها لمعطيات البيئة السياسية والاجتماعية والقانونية والاقتصادية، إضافة إلى أن الأدوار الاستراتيجية لهذه الوسائل تختلف من مجتمع لآخر تماشيا مع المتطلبات الاجتماعية المنتظرة .
وفيما لو تصورنا غياب الشكل المؤسسي فيما يتعلق بالنشاط الاتصالي في مجتمعات اليوم ، فهل من الممكن للأدوار الفردية أن تؤدي هذا النشاط الاتصالي الجماهيري بمنتهى البراعة والمقدرة والأهلية على أن يكون فاعلا بالقدر الذي يفي بحاجات النظام الاجتماعي ومطالبه. حيث من الصعب الوفاء بجوانب التفاعل الاجتماعي المعقد ، لذلك تبقى وسائل الإعلام الأقدر على حماية الوظائف الكبرى في المجتمع كتعزيز القيم والوعي بالمسؤوليات الاجتماعية .
* وظائف وسائل الإعلام في المجتمع :
يمكن إجمال الوظائف الاجتماعية لوسائل الإعلام في ما يلي :
1- الإعلام والإخبار : حيث تعتبر الوظيفة الأولى التي نشأت من أجلها وسائل الإعلام في البدايات الأول سيّما الصحافة . وتتمثل هذه الوظيفة في مراقبة البيئة – كما ذكر لاسويل – والكشف عن الأخطار المحيطة بها ومواجهتها وبالتالي تلبي حاجة الفرد إلى الأمن والاستقرار .
2- التربية والتعليم : تختص هذه الوظيفة بنقل التراث والمهارات الأساسية للأفراد ، ودعم عمليات التعليم والتثقيف، وتحقيق تنمية بشرية شاملة، والرفع من كفاءة الأفراد وقدراتهم ، وتنمية مواهبهم وتعديل أنماط تفكيرهم، وكذا سلوكاتهم .
3- التنشئة الاجتماعية : حيث تتفاعل الوسائل الإعلامية مع غيرها من المؤسسات التربوية والثقافية القائمة في المجتمع في عزف لحن يستهدف إشراك الأفراد في الإطار القيمي لهذا المجتمع، فتبادل الأخبار والمعلومات وتفسيرها، وتضمين البرامج الترفيهية أو التعليمية قيّما معينة تساعد على تسهيل التفاعل بين الأفراد والجماعات وإيجاد أساليب تفكير تتلاءم مع التراث الاجتماعي، كما تعتبر تلك الوسائل الجسر الذي يربط بين الأجيال، والأداة الفعالة التي تدعم المعايير الاجتماعية وتؤطّرها، وتكيّفها مع طبيعة النظام الاجتماعي.
كما تشكل وسائل الاتصال همزة وصل بين شعوب العالم، وقناة فعالة في الانسياب الثقافي بينهم، حيث لم يعد من الضروري تنقل الأفراد إلى مجتمعات أخرى بعيدة عنهم جغرافيا ، ومنفصلة عنهم ثقافيا للتعرف على هوياتهم وثقافتهم وأنماط حياتهم ، وكذا تجاربهم للاستفادة منها.
4- التسلية والإمتاع والترفيه: تحرص وسائل الاتصال الجماهيري على القيام بهذه الوظيفة آخذة في الاعتبار المنافسة الشديدة بين كل وسيلة منها، بل كل قناة من قنوات هذه الوسائل تسعى للاستحواذ على الجماهير.
وفي السياق ذاته ، يرى هارولد لاسويل أن هذه الوظائف يمكن إجمالها فيما يلي :
- الإشراف والرقابة على البيئة والمحيط .
- العمل على ترابط أجزاء المجتمع في الاستجابة للمحيط والبيئة التي يعيش فيها.
- وظيفة نقل التراث الاجتماعي والثقافي من جيل لآخر .
- وبينما تقوم وظيفة الإشراف على البيئة والمحيط الذي يعيش فيه الناس بكشف ما يهدد قيم الجماعة ويؤثر فيها، وعلى العناصر المكونة لها، فإن الوظيفة المتعلقة بالعمل على ترابط المجتمع تجعل للاتصال دورا أساسيا في ترابط بنية المجتمع وتماسكه.
- أما الوظيفة التي بعدها فهي التي يتم بها نقل القيم والعادات والتقاليد إلى أفراد المجتمع.
- الدعاية : وقد تبلورت هذه الوظيفة من خلال استخدام وسائل الإعلام في تحقيقها خلال فترة ما بين الحربين العالميتين والحرب الباردة، حيث تمارس وسائل الإعلام استمالة الجماهير إلى الأهداف والآراء المرغوبة بشكل عمدي وقصدي، وتميل خلاله إلى مخاطبة العواطف والغرائز والمصالح لتحقيق أهداف السلطة أو القائم بالاتصال .
- الدعوة : حيث تتجه إلى العقل في إعلان مبادئها السامية والتعبير عن العقائد والأفكار ، ولذلك ارتبط مفهومها بالحقائق الدينية والأفكار الإصلاحية ، فهي تعتبر مرشدا للإنسان ودليلا لتقويمه .
كما يرى لازرسفيلد ومورتون أن لوسائل الإعلام ثلاث وظائف اجتماعية هي :
1- وظيفة تشاورية : حيث تقوم بخدمة القضايا العامة والأشخاص والتنظيمات والحركات الاجتماعية من خلال الوضع التشاوري الذي تحققه وسائل الإعلام .
2- وظيفة تقوية الأعراف الاجتماعية : والتي تتحقق من خلال مقدرة وسائل الإعلام على فضح وكشف الانحرافات عن الأعراف الاجتماعية للرأي العام ومحاولة تقويمها .
3- الوظيفة التخديرية : وهي وظيفة معيقة تدل عمليا على اختلال وظيفي لدور وسائل الإعلام وذلك عن طريق زيادة مستوى المعلومات للجمهور، حيث يتسبب طوفان المعلومات لأعداد كبيرة من الناس إلى جرعات من المعلومات التي تحوّل معرفة الناس إلى معرفة سلبية .
وقد اقترح دوفليرDe Fleur وروكتش Ball Rokeachأربع وظائف للإعلام تتمثل في :
- إعادة بناء الواقع الاجتماعي .
- تكوين الاتجاهات لدى الجمهور إذا اعتمدت على معلومات وسائل الإعلام.
- ترتيب الأولويات لدى الجمهور " وظيفة وضع الأجندة ".
- توسيع نسق المعتقدات لدى الناس.
- وظيفة الإعلان والتسويق : يعتبر الإعلان جهدا مدفوع الأجر لعرض الأفكار والآراء وتفسيرها بغرض تسويقها بين الجماهير، معتمدة في ذلك على الاستمالات العاطفية لتوجيه الأفراد إلى السلوك المؤيد للفكرة أو المنتج أو السلعة باعتباره هدفا معلنا من الاتصال الإعلامي.
كما لم يبقى الاتصال محصورا في التجارب الشخصية، بل أصبح بفضل هذه الوسائل تجربة اجتماعية مرتبطة بالحياة السياسية والاقتصادية والثقافية، بل أنها في أحيان كثيرة تشغل منصب الناهي والآمر، فاسحة المجال للمشاركة الاجتماعية في أي قضية تهم المجتمع ، كما تسهم في حل العديد من المشكلات المختلفة.
التحرير الصحفي ، ماهيته ، وخصائصه |
التحرير الصحفي ، ماهيته ، وخصائصه |
المحاضــــــرة الثانـية :
أولا- مفهوم التحرير الصحفي : يتكون من كلمتين : التحرير ومعناها إعداد كتابات الآخرين للنشر فهو عبارة عن عملية فنية تبدأ بكتابة الحدث وتنتهي بإخراجه في شكله النهائي بصورة تتجاوب مع ما يراه القائم بالاتصال مناسبا .
أما كلمة الصحفي، فهو الشخص الذي يشتغل في مهنة الصحافة .
وقد ورد في القرآن الكريم لفظ الصحف في قوله تعالى : " إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى، صُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى " سورة الأعلى الآية 18- 19
وجاء في لسان العرب " صحف أو صحيفة هي التي يكتب فيها، والتي تحمل الأخبار والأنباء" .
في قاموس أكسفورد OXFORD تستعمل كلمة صحافة بمعنى Press ،وهو الشيء المرتبط بالطبع والطباعة ونشر الأخبار والمعلومات، وهي تعني أيضا Journal ويقصد بها الصحيفة وJournalism بمعنى الصحافة ، و Journalist بمعنى الصحفي فكلمة الصحافة إذن تشمل الصحيفة والصحفي في الوقت نفسه.
والصحيفة في المعجم الوسيط تعني مجموعة من الصفحات تصدر يوميا أو في مواعيد منتظمة وجمعها صحف أو صحائف.
والصحافة بكسر الضاد في القاموس الجديد للطلاب هي مهنة من يجمع الأخبار وينشرها في صحيفة أو مجلة
والصحيفة يقال لها الجريدة أيضا، والجريدة هي النشرة الدورية التي تحمل الأخبار السياسية والاقتصادية المتنوعة.
أما اصطلاحا: يرى محمد منير حجاب أن الصحافة هي الوسيلة الإعلامية التي تنشر الكلمة والخبر والصورة، وتحمل الفكرة إلى الملايين من القراء.
أما فاروق أبو زيد فيرى بأن الصحافة تستخدم للدلالة على أربع معان :أولا الصحافة بمعنى الحرفة أو المهنة
ثانيا بمعنى المادة التي تنشرها الصحيفة كالأخبار والأحاديث والتحقيقات الصحفية والمقالات وغيرها من المواد الصحفيـة الأخرى ثالثـا:الصحافة بمعنى الشكل الذي تصدر به، فالصحف دوريات مطبوعة تصدر من عدة نسخ وتظهر بشكل منتظم وفي مواعيد ثابتة متقاربة أو متباعدة.
رابعا: الصحافة بمعنى الوظيفة التي تؤديها في المجتمع الحديث ،أي كونها رسالة تستهدف خدمة المجتمع .
وجاء في معجم الإعلام " الصحافة هي صناعة الصحف ،وذلك باستقاء الأنباء ونشر المقالات بهدف الإعلام ونشر الرأي والتعليم والتسلية ،كما أنها واسطة لتبادل الآراء والأفكار بين أفراد المجتمع وبين الهيئة الحاكمة والهيئة المحكومة، فضلا عن أنها من أهم وسائل توجيه الرأي العام".
وقد ذهب " إدوين إيمري " مؤرخ الصحافة الأمريكية إلى أن الجريدة " الصحيفة " تحمل سبع معايير وهي :
1- أن تنشر أسبوعيا على الأقل .
2- أن تطبع بآلات الطباعة.
3- أن تكون متاحة لجميع طوائف المجتمع وفئاته.
4- أن تنشر الأخبار ذات الاهتمام العام في المجالات ذات الموضوعات المتخصصة.
5- أن يستطيع قراءتها كل من تلقى تعليما عاديا.
6- أن ترتبط بوقت الصدور.
7- أن تكون مستقرة عبر الوقت.
- التحرير الصحفي: هو عملية جمع المعلومات، معالجتها وصياغتها في شكل رسائل إعلامية متنوعة من حيث الموضوعات أو من حيث القوالب والأنواع الصحفية، وتكون متفقة مع التوجه العام للمؤسسة الإعلامية خدمة للجمهور وتحقيقا لأهداف المؤسسة العامة ، وهو عملية لا تخرج عن نطاق العمل الجماهيري المنظم والمستمر بالطبيعة التقنية لوسيلة الاتصال.
كما يمكن تعريفه على أنه " الطريقة الفنية التي ينتهجها الصحفي للقيام بعمله الإعلامي من خلال تسجيل الأحداث ونقل الوقائع والمشاهد والتعليق عليها وتفسيرها ومناقشة ما يقال بشأنها وشرحها، وذلك بطريقة موضوعية ودقيقة، تجعل من الموضوع مادة قابلة للنشر والإذاعة، والمعنى هو تحويل الوقائع والأحداث والآراء والأفكار من مستوى التصور الذهني والفكري إلى رسالة مكتوبة موجهة للجمهور" .
ثانيا-أسلوب التحرير الصحفي وشروطه : لما كانت الرسالة الإعلامية موجهة لجميع أفراد المجتمع على اختلاف مستوياتهم الثقافية والاجتماعية وخصائصه وسماته العامة، كان لزاما على المحرر أن يقف قدر الإمكان على مسافة متساوية مع تلك المستويات، وأن يقوم بالتجسير بين التباينات الموجودة في الوسط الجماهيري، وعليه فإن نجاح الصحفي متوقف على النسج المحكم للرسالة شكلا ومضمونا وفق مبدأ "أعط للجمهور ما يريد" لكن بطريقة تتوافق مع أهداف المؤسسة ورغبات الجمهور .
وعلى العموم، يمكن التأكيد على أن للتحرير الصحفي شروطا منها :
- ضرورة أن تتأرجح لغته بين اللغة الفصيحة ولغة الحديث اليومي.
- مقاربة المستوى مع التنوع في خصائص الجمهور.
- الإيجاز والاختصار والتركيز والبساطة .
- السرعة والسبق الصحفي وتحري الصدق .
التحرير الصحفي، ماهيته، وخصائصه |
المحاضــــــرة الثالثة :
الجزء الثاني
ثالثا- العوامل التي تتحكم في التحرير الصحفي:
لما كان التحرير الصحفي عملية فنية كانت ثمة عوامل تتحكم فيه، بحيث تكون مخرجات عملية التحرير مرتبطة إلى حد بعيد بهذه العوامل والتي منها :
- يرتبط بالسياسة التحريرية للصحيفة وتوجهها الإيديولوجي، فالسياسة التحريرية هي رؤية وفلسفة تحكم عمل الصحيفة وتؤثر عليه وتظهر في غالب الأحيان في السلوك الجماعي للصحفيين وتعبر عن شخصية المؤسسة .
- يرتبط بطبيعة الجمهور المستهدف، حيث تخاطب الصحيفة جمهور النخبة بـ " أسلوب راق " والجمهور العادي بـ " أسلوب عادي " .
- طبيعة الخدمة المقدمة للجمهور " اخبار ، شرح وتفسير ، تثقيف، وعليه فالصحيفة تجيب يوميا على عدة أسئلة منها: ماذا أنشر ؟ كيف انشر ولماذا انشر ؟
- يتأثر كذلك بطبيعة النظام السياسي والاقتصادي وبالجوانب المالية والتمويلية .
- يتأثر كذلك بقناعات ومواقف الصحيفة من النظام السياسي والاجتماعي " مؤيدة أو معارضة أو محايدة " .
- يتأثر بطبيعة الطاقم الإعلامي وثقافته واحترافيته والكفاءة المهنية خصوصا الشخصيات الإطارية المؤثرة بشدة مثل المدير ورئيس التحرير.
- كما يتأثر بمدى قدرة الصحفي على الوصول للمعلومات لأن نقص المعلومات تجعل المحرر يكتب بأسلوب عاطفي لا بأسلوب معلومات .
رابعا - خطوات التحرير الصحفي :
1- التخطيط من خلال رسم خطة للموضوع ، تحديد مصدر المعلومات واختيار النوع الصحفي.
2- جمع المعلومات من المصادر المختلفة ووسائل الايضاح كالصور مثلا.
3- تقييم المواد التي تم جمعها والاحتفاظ فقط بما هو صالح للنشر.
4- صياغة الموضوع وتحريره.
5- مراجعة الموضوع سواء من طرف المحرر أو المحرر المسؤول شكلا ومضمونا " لغويا ومعلوماتيا وأسلوبيا وتعديل ما يمكن تعديله.
6- التقييم النهائي والفصل فيما ينشر وما لا ينشر.
خامسا- الفروقات الفنية بين التحرير الأدبي والإعلامي والعلمي:
هناك فروقات جوهرية بين الأنواع التحريرية الثلاث، نميز ذلك من خلال الجدول التالي :
التحرير الأدبي |
التحرير الإعلامي |
التحرير العلمي |
- تعبير عن الذات - لا يعبر عن الجماعة - إبداع شخصي - عمل فردي في غالب الأحيان - يمتلك قوة تعبيرية مستخدمة لرصد الذات - نقل أحاسيس شخصية تتميز اللغة بـ : - الغموض – جودة التأليف عنصر الفنية – الطابع الجمالي ذو الذوق الفردي
|
- تعبير عن الجماعة " ظواهر اجتماعية نابعة من الحياة " - عمل مؤسساتي وليس فردي - ضرورة تكييف الرسائل مع الجمهور - يحكمه المنطق الإعلامي " اعط للجمهور ما يريد " قوة تعبيرية عن ظواهر اجتماعية - نقل أحاسيس وعواطف الغير لا الذات - لغة مستمدة من الواقع " بسيطة غير معقدة " العمل الإعلامي راعي الاختلاف في المستويات الثقافية والقيمية والتعليمية - الصحافة نافذة عن المجتمع - الصحفي مستقبل المجتمع |
- ميداني اكسر أكثر منه نظري - ينطلق من الملاحظات العلمية الدقيقة - مخرجاته علمية - لغة علمية اصطلاحية تكاد تكون موحدة - لغة قد لا يفهمها إلا أهل الاختصاص - تختلف اللغة من علم لآخر - اللغة تعبير عن ظواهر علمية لا اجتماعية ولا شخصية. |
ماهيـــــــــة الأنواع الصحفيــــــــة |
المحاضــــــرة الرابعة:
مقدمة:
إن أي خطاب إعلامي يتم إنتاجه يكون ضمن سجل من الاتصال والذي تتحكم فيه عوامل عدة من أبرزها الغاية من وجوده، هذه الأخيرة تحدد نوع التأثير المنشود من المرسل والموجه للمتلقي، فغائية النص تتدخل في تحديد بنيته ومضمونه وشكله وطريقة عرضه.
إن عملية التحرير الصحفي تأخذ أكثر من شكل أو قالب، وتسمى أشكال التحرير، الأنماط الصحفية، القوالب أو الأنواع الصحفية، حيث من الضروري على الصحف أن تنشر مواضيعها الإعلامية بقوالب متنوعة بحيث تسمح لها بتحقيق أهدافها ووظائفها المختلفة .
فوسائل الإعلام كما ذكرنا تسعى إلى تحقيق جملة من الأهداف منها " الإعلام والإخبار ، التوعية ، صناعة الرأي العام ، التربية ... وبالتالي لا يمكن لنمط واحد أن يحقق كل تلك الأهداف، هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن طبيعة الحدث والواقعة تفرض على الصحفي شكلا تعبيريا بعينه، فإذا كان الموضوع متعلقا بحدث فإنه يسعى إلى إعلام الناس به ، وإذا كان متعلقا بشرح واقع والتعليق وإبداء وجهة نظر فيه فإنه قد يسعى إلى التوعية أو توحيد رؤية الناس لواقع ما وهكذا .
وتعرف الأنواع الصحفية على أنها " أشكال أو صيغ تعبيرية يوضع في ها الموضوع الصحفي أو القالب الذي يقدم فيه الموضوع للجمهور، فالصحفي وهو يكتب موضوعه عليه أن يختار القالب أو الطبق الذي يتناسب مع طبيعة الموضوع وخصائصه وحجم المعلومات المتوفرة والهدف من نشره .
هذا وتعكس الأنواع الصحفية وفرة عروض وسائل الإعلام محاولة بذلك تلبية انشغالات الجمهور وإشباع رغباته، كما تسهم في تشكيل شخصية الوسيلة وضبط خطها الافتتاحي، فالأنواع الصحفية جوهر ولب العمل الصحفي.
أولا- تعريف الأنواع الصحفية
تعريف1:
- الأنواع الصحفية هي أشكال أو صيغ تعبيرية، لها بينة داخلية متماسكة، ولها طابع الثبات، الاستمرارية، تعكس الواقع بشكل مباشر وواضح وسهل، وتسعى إلى تقديم وتحليل الأحداث والظواهر والتطورات، هادفة بذلك إلى إيصال رسالة محددة إلى القارئ –موجهة في ذهنه ومشاعره- بقصد إيجاد أو ترسيخ قناعة محددة لديه، ومن ثم تمكينه من أن يفهم الواقع على ضوء هذه القناعة، وبالتالي دفعه لان يسلك في المجتمع سلوكا يتوافق مع هذه القناعة.
تعريف2:
- هي مجموعة من المبادئ والأسس والمنطلقات التي تحدد ماهية الأنواع الصحفية، ووظائفها، ومهامها، وبنيتها، ومجالات استخدامها، ونموذج عملية الخلق والإبداع فيها.
ويحدد عناصر المادة الإعلامية في:
-موضوع هذه المادة الإعلامية.
-عنصر الحقائق والوقائع والمعلومات.
-عنصر التعليق.
-عنصر التحليل والتفسير، التعليل.
-عنصر الأسلوب (الألفاظ، التراكيب، الجمل، مستوى التعبير، نوعية الأسلوب).
-عنصر العامل الذاتي (الموقف، الرؤية، الاستيعاب، الانطباعات).
-عنصر الحجم المخصص لنشر المادة أو الزمن المخصص لبثها في الإذاعة والتلفزيون.
ثانيا- عوامل ظهور الأنواع الصحفية :
لم تظهر الأنواع الصحفية دفعة واحدة وبشكل مكتمل، بل ظهرت وتطورت نتيجة عدة عوامل منها:
- حاجات المجتمع وتغير قيم القراء وأذواقهم وظروف استهلاكهم للمواد الإعلامية إضافة إلى ارتفاع المستوى الثقافي والفكري للجمهور.
- تعدد وظائف الإعلام مقابل تطور المهارات الإبداعية للصحفي وحبّه للتجديد والاكتشاف.
- الحركية في العمل الإعلامي فرض على الصحفي التحرير بقوالب جديدة متجددة.
- العوامل الفنية، نظرا لضرورة احتواء الوسيلة الإعلامية لعدد كبير من القوالب والموضوعات حتى لا يمل الجمهور حيث بات من الضروري على أي قناة تلفزيونية أو إذاعة أو جريدة أن تلتزم بعوامل فنية منها : التناسب والتوازن والحركة والإيقاع.
*التناسب : حيث يجب أن يتناسب الموضوع المختار مع رغبات الجمهور والتوجه العام للوسيلة الإعلامية وهو ما يؤدي إلى ظهور أنواع أخرى من القوالب.
*التوازن من خلال تحقيق الارتياح والبعد عن الملل نتيجة استخدام قالب واحد .
*الحركة : من خلال أن تنوع الأنواع الصحفية يضفي ديناميكية وحركية للمواضيع داخل الوسيلة الإعلامية، بل وفي نفسية الجمهور.
*الإيقاع : يتمثل في الأثر الذي يتركه كل قالب في نفسية المشاهد المتلقي من خلال سينفونية إعلامية متميزة.
- تأثر ظهور الأنواع الصحفية بطبيعة الوقائع وحجم المعلومات المتاحة.
- تأثير المنافسة بين مختلف وسائل الإعلام ما حتم البحث عن قوالب جديدة من أجل التميز.
- تتأثر الأنواع الصحفية بتوجه الوسيلة الإعلامية، كما تتدخل عدة عوامل لتحتم على وسائل الإعلام استخدام نوع صحفي بدل آخر وذلك للتعبير عن هذا الحدث أو ذاك وفق مقولة " النوع الصحفي المناسب للحدث المناسب ".
ثالثا- أهمية دراسة الأنواع الصحفية :
- يجب على الصحفي أن يكون الكل في الكل ويغطي ويتناول أي قضية مهما كان نوعها.
- المواقف التي يتعرض لها الصحفي حيث يضطر أحيانا على إجراء حديث صحفي مثلا وبالتالي يجب إتقان فن الحديث.
- ضرورة التنويع في الرسائل المقدمة من طرفه حتى لا يمله الجمهور.
- إن طبيعة الأحداث والوقائع هي التي تفرض على الصحفي إتقان كل فن.
- إن محاولة فهم الأنواع الصحفية يساعد على فهم آليات الإعلام، وطرق تأثيره.
- إن الاستعداد لإعداد مادة إعلامية وفق قالب صحفي يدفع بالإعلامي إلى التدقيق في الشكل الإعلامي ومدى موافقته للمحتوى، مثـل: زوايا التصوير، أنواع اللقطات، الكادر، الموسيقى....الخ
- كل نوع صحفي له علاقة خاصة بالمصدر أو المصادر، فالخبر والتحقيق الصحفي لهما علاقة أقوى بالمصدر من التعليق أو المقال الصحفي.
رابعا- تقسيم الأنواع الصحفية:
تقسم الأنواع الصحفية وفق طرق عديدة منها :
1- الأنواع الصحفية الإخبارية : تنطلق من الأحداث والوقائع وذلك بغرض إعلام الجمهور وإبلاغه بما يحدث ومن هذه الأنواع : الخبر ، التقرير ...
2- الأنواع الفكرية المتعلقة بالرأي : تشمل المواضيع التي تسعى إلى تأطير الجمهور وتوجيهه وإرساء جملة من القناعات لدى المتلقي ونجد : المقال الصحفي ، العمود ، الكاريكاتير ... وتتميز بأنها ذاتية وتوجه رؤى شخصية للظاهر والوقائع.
3- الأنواع التعبيرية : تشمل المواضيع التي تبرز وتقدم أشخاصا وأماكن ومدنا معينة وذلك بتسليط الضوء عليهم ومنها : الريبورتاج ، البورتري .
4- الأنواع الاستقصائية : تسعى إلى تقديم مواد معمقة نتيجة البحث والتحليل وذلك لتشخيص المشكلات وتتبعها في سياق ظهورها وتطورها، ومن ثم السعي للوصول إلى حلول لها ونجد التحقيق ضمن هذا النوع ، وهو يقترب من البحث العلمي الذي ينطلق من مشكلة ويصل إلى اقتراح حلول .
في ختام هذا العنصر، نشير إلى أن ثمة أنواع أخرى لا تجد لها تصنيفا دقيقا بين الأنواع السابقة مثل الملف الصحفي الذي قد يستخدم أكثر من قالب، فقد يستخدم الخبر والتقرير والمقال ... كما أن التصنيف السابق هو واحد من التصنيفات المتعارف عليها لكن ليس بالضرورة التصنيف النموذجي، بل أن هناك أنواعا تتموقع في أكثر من نوع فالريبورتاج مثلا قد يصور لكنه في الوقت ذاته يخبر عن حدث.
ويحدد بعض الباحثين الفرنسيين الأنواع الصحفية في (28) نوعا صحفيا موزعة على خمسة أصناف:
- ففي صنف الأنواع الخبرية نجد: المختصر، البرقية، الحوصلة، الصدى، حق الرد، عرض الصحف، الخرائط والرسوم.
- في صنف الروايات: الريبورتاج، البورتريه، النعي، العرض، المقال التاريخي.
- وفي صنف البحوث: التحليل، التحقيق، الملف، ملخص الوثيقة
- وفي صنف الآراء الخارجية: المقابلة، الطاولة المستديرة، سبر الرأي، المنبر الحر، البيان، البريد، الاقتباس من الكتب.
- في صنف التعاليق: الافتتاحية، العمود، المقال النقدي، اليوميات، الرسوم الصحفية.
خامسا- الفوارق الأساسية بين الأنواع الخبرية وأنواع الرأي:
يمكن القول وفقا للمقارنة الوظيفية أن الأنواع الصحفية تنقسم عموما إلى أنواع خبرية تؤدي وظيفة " التنبيه" أو "إثارة الانتباه" وأنواع رأي غايتها الربط بين أجزاء الأحداث من اجل الخلوص إلى مستنتجات لها دلالة بمعنى أنها تستقرئ الأحداث ولا تكتفي بتقديمها فقط.
ويتمثل الفرق الجوهري بين الأنواع الخبرية وأنواع الرأي في أن الأولى تستهدف عكس الواقع، في حين تروم الثانية البحث عن الحقيقة الكامنة وراء قشرة الواقع.
وإذا كان الصحفي يتصرف إزاء الأنواع الخبرية بصفته وسيطا. فانه في ممارسته لأنواع الرأي يتحول إلى مؤطر للأحداث وهو يستخرج دلالاتها المجتمعية. وتقوم الأنواع الخبرية على منهجية الرصد الميداني الدقيق، في الوقت الذي تستنهض فيه أنواع الرأي مقومات إعمال الفكر للوصول إلى قناعات صحفية مبررة بشكل أو بأخر.