المحاضرة رقم 1: فن المسرح عند اليونان
.
1_تعريف المسرح :
المسرح أو الفن الدرامي هو تأليف أدبي مكتوب بالنثر أو الشعر بطريقة حوارية ، وهو موجه للقراءة أو العرض . ويستعين المسرح الدرامي بمجموعة من العناصر الأساسية أثناء العرض مثل : الكتابة والإخراج / والتأويل والديكور والملابس . و و قد اشتقت كلمة دراما من الفعل والصراع والتوتر . وقد يكون المسرح في تاريخه القديم ناتجا عن الرقص والغناء .
2- نشأة المسرح عند اليونان :
أقدم المسرحيات التي عرفها الأدب الغربي هي المسرحيات الإغريقية، وكان لنشأتها في بلاد اليونان علاقة بعقائدهم (حيث كانوا يؤمنون بتعدد الآلهة). وكان من آلهتهم التي قدسوها "ديونيسوس" أو (باخوس) إله النماء والخصب وبخاصة العنب والخمر، وقد اعتادوا أن يقيموا له حفلين أحدهما في أوائل الشتاء، بعد جني العنب وعصر الخمور، ويغلب عليه المرح وتنشد فيه الأناشيد الدينية، وتعقد حلقات الرقص، وتنطلق فيه الأغاني، ومن هذا النوع المرح نشأت الملهاة (الكوميديا)، والحفل الثاني في أوائل الربيع حيث تكون الكروم قد جفت وتجهمت الطبيعة، وهو حفل حزين ومنه نشأت المأساة (التراجيديا) وكان التمثيل اول الأمر لا يعدو بعض الرقص والأناشيد الجمعية، والأغاني التي تعبر عن حزنهم لغياب الآله والابتهال إليه أن يعود ثانية، ثم مثل شخص ديونيسوس فكانت الجوقة تشير إليه وهو على مسرح مرتفع، ثم أدخل الحوار بينه وبين الجوقة، ثم مثلت شخصيات أخرى يرد ذكرها في الأغاني والأناشيد. وكان الممثلون يظهرون على نشز وسط قومهم على هيئة البشر في نصفهم الأعلى وصور الماعز في نصفهم الأسفل
3_تطور الفن المسرحي عند اليونان: تنسب جميع الكتب والآراء ظهور التراجيديا (Tragedy) إلى ثيسبيس، فإليه يعزى فضل إيجاد الممثل الأول الذي أخذ يتبادل الحوار مع رئيس الجوقة، "هذا التعديل يهدف أساسًا إلى زيادة الأجزاء الحوارية التي كان قد أوجدها آريون"1. وبالتالي فهذا الأخير يدخل أيضًا في اللعبة المسرحية، فليس ثيسبيس وحده من يرجع له الفضل، وإنما حتى آريون الذي خول لثيسبيس أن يبدع ويضيف، ليشكل لنا مسرحًا قائمًا على ثنائية جوقة/ممثل، وعلى ثنائية الفن الإيمائي المسرحي، الذي يؤديه الممثل ارتباطًا بالفن الأدبي المسرحي الذي تقوم به الجوقة ورئيسها (Chorus) على أن "الممثل ورئيس الكورس منذ ذلك الوقت يقومان بالحوار"2. كما أن الكورس وأناشيده في هذه المرحلة كانا لا يزالان العنصران الأساسيان والمقصد المهم في زمن ثيسبيس، بينما كانت المقاطع الحوارية التمثيلية مجرد فواصل للاستراحة. كما أن هذا التغيير الذي قد لا يبدو ملفتًا، هو الذي انتقل بالديثرامب (dithyramb) كأغنية كورسية، من الكلام الشعري إلى الدرامي التمثيلي.
يعتقد المؤرخون أن ثيسبيس كان يتخذ لوجهه مكياجًا من الأصباغ والأدهنة التي تخفي ملامح وجهه بأكملها، ثم ابتكر الأقنعة بعد ذلك فعوض بها المكياج. ويثار الجدل هنا حول النظرية التي يذهب أصحابها إلى أن القناع كان شيئًا موروثًا عن رقص الطقوس الدينية البدائية. إلا أنه مما لا يمكن الشك فيه منذ زمن ثيسبيس قد ظلت هذه الأقنعة عاملاً مساعدًا في انتحال الشخصية الممثلة خلال تاريخ المسرح اليوناني كله. وقد قيل أن ثيسبيس هو من كان يقوم بهذه الأدوار، ويغير ملابسه في كل مرة، مع استخدامه للأقنعة ليشخص الآلهة والأبطال والشخصيات بأنواعها المختلفة، كما ينسب إليه اختراع القناع الكتاني، بعد أن كان يغطي وجهه إما بالرصاص الأبيض وإما بنبات الرجلة كنوع من الماكياج.
ساهم ثيسبيس بشكل كبير في إيجاد أجزاء التراجيديا بفضل إضافته للمثل الأول، فبهذا الأخير، أصبحت المنصة التي كان يقف عليها قائد الجوقة الديثرامبية ليتحدث إلى بقية أفرادها: ذات طبيعة ثنائية؛ سواء أكانت تلك المنصة في عربة متنقلة كما روي عن عربة ثيسبيس، أو مكانًا مسرحيًا ثابتًا كما عهدناه في المسرح الإغريقي. حيث يأتي الممثل في بداية مسرحيات ثيسبيس ليلقي حديثًا يحتوي على شكل تقديم للحبكة، وهذا ما سمي بالبرولوج (Prologos) فيما بعد، ثم يتلو هذا الحديث الفردي المقدم (monologue)، بعضًا من أغاني الجوقة التي تؤديها أمام المنصة مرفقة بمجموعة من الرقصات، وهذا ما يسمى بالبارودوس (parados): الذي يوظف أغنية المجاز عن طريق الجوقة التي تمر إلى الأوركسترا. أما أغاني المقام فكانت تؤدى بين الفينة والأخرى قبل دخول الممثل وبعد خروجه، وبعد أن يكون قد غير ملابسه وقناعه بما يتلاءم مع الشخصية التي يؤديها، وكانت أحاديث هذا الأخير إما سردية فردية طويلة حيث يروي ما وقع من أحداث في مكان ما أو في زمن ماض، وإما أن يدخل في حوار (Dialogue) مع قائد الجوقة3.
وقد أدى إدخال ثيسبيس لممثل أحداث المسرحية - التي كانت تلقى سابقًا على لسان الجوقة، وأصبحت مع ثيسبيس تمثل أمام الجمهور ويقوم بتمثيلها شخص أخر ويطلق عليه اسم هوبوكريتيس (Hupokrites) - إلى ظهور سقيفة أو كما يطلق عليها سكيني (Skene)، مرفقة بالمنصة، والتي كان يستخدمها ثيسبيس لتغيير ملابسه وأقنعته. فبريادة ثيسبيس أيضًا أصبحت التراجيديا تنفلت من هيمنة الأسطورة الدونيزوسية إلى الغوص في أساطير إغريقية أخرى، بعد أن بدأت جوقة ثيسبيس والآخرون من الرواد، تتخلى عن طابعها الساتيري (Satyres) وتدخل في حوارات مع الممثل.
يبدو أن مثل هذه الأحاديث من مونولوج وحوار، راسخة في المسرح الإغريقي حتى بعد ثيسبيس، ويبدو أن سمات المسرحية الثيسبيسية ظلت موجودة رغم توافد الممثلين، لكننا بدون نصوص لا يمكننا أن ندرك الفرق أو نحسم فيه. كما أنه يكمن الظن أن التراجيديا الأولى لإسخيليوس (Aeschylus) "المستجيرات" قد تحمل نفس السمات البدائية التي كان ينهجها ثيسبيس، على أننا يمكن أن نقول أن المرحلة التي تفصل بين ثيسبيس وإسخليوس والتي تقدر بثلاثين سنة، لم يصلنا منها شعراء كثر سوى ثلاثة ساروا في نهجه الذي تميز به. وهم: خويريلوس (Choirilos)، براتيناس (Pratinas)، فرونيخوس (Phrynichos)، مع تجديدات طفيفة لهذا الأخير الذي كان أول من أدخل القناع النسائي، الذي لم يعره ثيسبيس اهتمامًا، كما كان يبتكر تصميمات جديدة لرقصات الجوقة، ويطيل في المقاطع الغنائية مقابل الحوار، كما حاول التكلم عن مواضيع أخرى ليست بالضرورة أسطورية وديونيزوسية، كالمواضيع التاريخية ومن بينها الثورة الأيونية، مما جعله يحظى هو الآخر بشعبية واحترام كبيرين سواء لدى الشعب، أو لدى كتاب التراجيديا الذي تعاقبوا من بعده وأعجبوا بإنتاجاته وقلدوها. ويبدو أن فرونيخوس كان له الفضل أيضًا في التأثير على الدراما الإغريقية وخصوصًا على مستوى انفتاحها على مواضيع أخرى، وكذلك على مستوى الغنى الأدبي والجمال الشعري، بينما أثر ثيسبيس على الدراما بجعلها تسير على ساقين اثنين الممثل والجوقة.
_4عمارة المسرح الاغريقي:
في عصر "ثسبيس" كان يقدم العرض المسرحي بمسرح متنقل، ولكن مع مرور الوقت أصبح لكل مدينة يونانية مسرحها الخاص، ولينتقل من شكله الخشبي المؤقت إلى الحجري.
ويقسم المسرح إلى أجزاء رئيسية:
أ- "الأورخسترا Orchestra" ومعناها حرفياً حلبة الرقص وهي مشتقة من الفعل اليوناني "أورخيثاي Orcheithai" بمعنى (يرقص). وهذه الأورخسترا هي مكان مستو مستدير تؤدي عليه الجوقة رقصاتها المتعددة، وكان الدخول إليها يتمّ عن طريق ممرّين جانبيّين يُعرف كل منهما باسم "بارودوس Parodos"، وفي مركز الدائرة تماماً كان هناك هيكل أو مذبح، وكثيراً ما كان يستخدم فعلاً في بعض المسرحيات، وهو جزء ثابت من الديكور. وكان يجري على هذه الدائرة الوسطى جزء من العرض الدرامي وفيها أيضاً كانت مجموعات الكوراس تقدّم رقصاتها وتنشد أناشيدها. ويقوم تحت الأورخسترا نظام ممرات محفورة في الحجر يساعد الممثلين في حركاتهم.
ب- "ثياثرون Theatron" أو "الكويلون Koilon" وهو مكان المشاهدين، وكان يتألف من عدد من الدرجات تستند عادة إلى سفح تل، وكان في بادئ الأمر على شكل حلقة مستديرة حول الأورخسترا، ولكن عندما تطورت الجوقة الديثورامبية وأصبح فيها ممثل، وجد الجمهور نفسه مضطراً لأن يهجر جزءاً من الدائرة حتى يتمكن من رؤية هذا الممثل، ومن وقتها احتفظ الثياثرون بشكله الذي يشبه حدوة الحصان، وهو عبارة عن صفوف من الدكك أو المقاعد الحجرية وكان ينقسم عادة إلى عدة أقسام عمودية بواسطة السلالم "الكليماكيس Klimakes" أي السلم أو الدرج لتصبح هذه الأقسام من المقاعد عبارة عن قطاعات تسمى "كيركيديس Kerkides" كما تقسم إلى طبقات أو أدوار بواسطة درجات أفقية تعرف باسم "ديازوماتا Diazomata"، أي الدهليز أو الممر أو الممشى. وكان هناك عرش يجلس عليه كاهن ديونيزوس، ربّ الخمر والدراما، وهو مكان الصدارة. وكانت المسارح تقام عند سفح تل في الهواء الطلق حيث كانت أصداء الصوت Acousties تتجاوب فيه بشكل مثير للدهشة.
جـ- "الاسكيني Skene"، معناها المنظر أو المشهد أو ما نسميه اليوم (الديكور). وكان في بادئ الأمر وكما تدل الكلمة عبارة عن خيمة من القماش مشدودة على هيكل خشبي تستخدم كمقصورة للممثلين، ومن المحتمل أن هذه الخيمة أقيمت أولاً خارج الأورخسترا، بعيداً عن أعين المشاهدين، ولكن بعد ذلك نقلت الخيمة قريباً من الأورخسترا أمام المكان الذي هجره الجمهور من الثياثرون ليتمكن من رؤية الممثل، وأخفيت معالم واجهتها الخارجية التي يراها الجمهور بواسطة حاجز خشبي يحتوي على باب أو أكثر بحيث تبدو الخيمة أمام المشاهدين وكأنها بناء سكني لتظهر بداية الديكور المسرحي، وهي ذات طابع تلميحي لا هدف لها سوى تحريض مخيلة المشاهدين. ثم أقيم مكان البناء الخشبي المؤقت بناء حجري ثابت دائم حيث انتهى العاملون بالمسرح الإغريقي إلى تثبيت الديكور، وفي أكثر المسرحيات كانت الاسكينا تمثل واجهة (بيت) أو (قصر) أو (معبد) وتكون أحياناً مؤلفة من طابقين وتحوي على أعمدة دورية أو أيونية تزيّن واجهتها مع البروسكينون أحياناً. ويكتمل تشكيل المسرح بعناصر جانبية تتألف من موشورات ثلاثية تدعى "بيريئكتي" أو "برياكتوس Periaktus"، تدور على نفسها وتضم ديكورات ومناظر مرسومة مختلفة بحسب كل وجه منها وهذه الدورات تتيح تبدلات سريعة في الأمكنة رغم ندرة استعمالها، مع وجود الاختلاف بين الديكورات، ففي التراجيديا: كانت تحوي أعمدة وواجهات مرتفعة وتماثيل وأدوات زينة تناسب قصراً ملكياً، وفي الكوميديا: بيوت عادية بشرفات ونوافذ، وأما في المسرحيات الساتيرية: فأحراج وكهوف وجبال.
د- "البروسكينيون Proskenion" أي ما أمام الاسكيني أو "اللوجيون logeion"، أي المكان الذي يتكلم عليه الممثل، وظهر في منتصف القرن الرابع ق.م والعصر الهلينستي.
.
أجزاء المسرحية اليونانية: -5
كانت المسرحية اليونانية القديمة تتألف من الأجزاء التالية
(Prologos)_ وهي المقدمة وكانت اختيارية حسب نوع المسرحية. وكانت المقدمة تلقى قبل المسرحية على شكل مونولوج يلقيه ممثل واحد أو ديالوج يشترك فيه ممثلان. والهدف من المقدمة كان التمهيد للمسرحية.
(Parodos)_، ويقصد به المدخل وهي تمثل عملية نقل الجوقة إلى التمثيل الفعلي (الأورخسترا) وهم ينشدون ويغنون ويرقصون.
(Episodion)_ هو المشهد التمثيلي والذي يختلف في عدده من مسرحية الى أخرى حسب طولها.
(Stasimon)_، وهو الفاصل الكورالي الذي يقوم بإنشاده أفراد الجوقة بين المشاهد التمثيلية وهم واقفون في الأورخسترا دون دخول أو خروج، والغاية منه التخفيف من حدة التوتر لدى المشاهد وإتاحة الفرصة للمثلين للاستعداد للمشهد التالي.
(Kommos)_، هي النحيب الذي يشترك في أدائه الجوقة والممثلون وهي ليست ضرورية في كل تراجيديا.
(Exodos)_ وهو المخرج الذي ينتقل بموجبه أفراد الجوقة من الأورخسترا
ينطر كل من:
- المسرح الاغريقي محمد الخطيب
-قراءة و نأملات في المسرح الاغريقي جميل نصيف
المسرح الاغريقي ابراهيم سكر
الموجز في المسرح الاغريقي: عباس عبد الغني