مادة: الترجمة
السنة الثالثة- ليسانس-
السداسي الخامس- جميع التخصصات
إعداد الأستاذة: حسناء نجلاوي
قسم اللغة والأدب العربي- جامعة عباس لغرور- خنشلة
السنة الجامعية : 2020/ 2021
المحاضرة الأولى: الترجمة: مفهومها ولمحة تاريخية عنها
تمهيد:
لا يختلف اثنان على أهمية الترجمة في حياتنا لكونها إحدى الوسائل التي تلعب دورا مهما في تقريب التفاهم والمعرفة بين الحضارات، وفي نقل العلوم والآداب بين الثقافات المختلفة. وتظل الحاجة قائمة دائما إلى الكتب والمصادر المترجمة في شتى مناحي الحياة . فحاجتنا إلى الكتب والمصادر المترجمة لا تقتصر على مجال دون سواه، فنحن نتطلع إلى المعرفة الإنسانية بكل أبعادها-العلمية، الطبية، الأدبية، السياسية، الفنية، الفلسفية وما إلى ذلك (1).
1-مفهوم الترجمة وتعريفها:
تأسس مفهوم الترجمة على مر العصور عبر عدة مراحل وأحداث تاريخية ساهمت في ذلك، حتى أصبحت علماً قائماً بذاته، ومرتكز أساسي لتبادل المعرفة وتعايش الشعوب، فبدونها لانعزلت اللغات واحتُكرت المعارف وتضاءلت العلوم.
تعبر كلمة الترجمة عن عملية متكاملة تتلخص بنقل الكلام سواءً كان مقروءً أو مسموعاً أو مكتوباً من لغة لأخرى، مع المحافظة على أساس معنى الكلام ومضمون أفكاره المنصوص عليها في اللغة الأصلية له، ولكن من أين أتى أصل كلمة الترجمة وما هو تاريخ تطور هذا العلم وازدهاره؟
1-أ-لغة:
ترجم الكلام بينه ووضحه، وكلام غيره- نقله من لغة إلى أخرى، ولفلان ذكر ترجمته، والترجمان: المترجم جمع تراجم وتراجمة (2).
وفي حديث هرقل: قال لترجمانه، الترجمان بالضم والفتح هو الذي يترجم الكلام أي ينقله من لغة إلى أخرى، والجمع التراجم (3).
Interpreting as a discourse process(1)
الترجمة عملية خطابية-سنثيا ب.روي ترجمة: د. مهدي حسين عليوي ص 7
(2) المعجم الوسيط 83/1
(3) لسان العرب 66/12
ومن خلال كتب اللغة نعرف أن الترجمة في اللغة العربية تدل على أربعة معان وهي كالآتي:
1/-تبليغ الكلام لمن يبلغه.
2/-تفسير الكلام بلغته التي جاء بها.
3/-تفسير الكلام بلغة غير لغته، وجاء في لسان العرب وفي القاموس أن الترجمان هو المفسر للكلام.
4/-نقل الكلام من لغة إلى أخرى.
1-ب-اصطلاحا:
فهي التعبير عن معنى كلام في لغة بكلام آخر من لغة أخرى مع الوفاء بجميع معانيه ومقاصده(1).
ولا يمكن أن تتحقق الترجمة إلا بمعرفة المترجم لخصائص اللغتين وأساليبهما وأوضاعهما.
وعرفه بعضهم بأنه نقل الكلام من لغة إلى أخرى عن طريق التدرج من الكلمات الجزئية إلى الجمل والمعاني الكلية (2).
كما قال بول ريكور في مؤلفه: " عن الترجمة" أن هناك مدخلان يؤديان إلى المشكل المطروح من طرف فعل الترجمة أن نأخذ كلمة "ترجمة" بالمعنى الدقيق الذي يعني نقل رسالة لسانية من لغة إلى أخرى أن نأخذه بالمعنى الواسع كمرادف لتأويل كل مجموعة دالة داخل نفس المجموعة اللغوية(3).
(1)مناهل العرفان 11/12
(2) ترجمة القرآن، عبد الوكيل الدروبي ص 19
(3) عن الترجمة، بول ريكور، ترجمة حسين خمري ص 31
2-نشأة الترجمة وتاريخها
2-1 – بداياتها:
تعود بدايات الترجمة لعصور تاريخية قديمة، اكتشفت أولى محاولات الترجمة لعدة كلمات ونقوش تعود لحقبة الحضارة المصرية القديمة وبلاد ما بين النهرين، كما أن هناك عدد من الرموز التي تعود لعام 2000 قبل الميلادـ يغلب الظن على أنها محاولة أولى للترجمة عبر التاريخ القديم.
أما الخطوة الأولى التي تعد نقلة نوعية في عالم الترجمة، حين قام الخليفة المأمون بتنمية “بيت الحكمة” وهي المكتبة الرائدة التي كانت مصدراً للمعارف وتدوين العلوم ونشرها وترجمتها، ابتداءً بتوحيد قواعد الترجمة وأصولها في بيت الحكمة منذ عام 813م تقريباً
توالت عمليات تطوير الترجمة وقد مرّت بمحطات هامة، منها ما تم في عام 1500م عندما تم إنتاج أو عمل مطبوع متعدد اللغات في العالم، لتأتي بعد ذلك الثورة الصناعية التي ألقت بثقلها على مختلف مناحي الحياة، فتزايد الطلب على الترجمة، وتوثيق الإنجازات العلمية والاختراعات الصناعية وترجمة تلك الإنجازات للغات عدة، مما أسّس لتكوين صيغة رسمية للترجمة كتخصص أو دراسة مستقلة وتخصص علمي وعملي، يتخرّج منه متقنه كمترجم محترف يتقن الترجمة وأدواتها المختلفة.
2-2-لترجمة في العصور الوسطى:
لقد كانت الترجمة في العصور الوسطى أشبه شيء بجنس أدبي تفسيري وتهذيبي، موجه إلى جمهور لم تعد له معرفة باللسان اللاتيني. مما جعل المترجمين في تلك الفترة يستعملون في ترجماتهم لسانا محليا تحفيزيا. وكان كانتيليان وشيشيرون يعتبران الترجمة وسيلة “لاكتساب الفصاحة”. وكان شيشيرون يدعو إلى “أن يكون تقدير الكلمات بحسب وزنها لا بحسب كمها”. وظل اللسان الفرنسي يجهد، في مجال ترجمة الأدب، في عسر، للتخلص من عقدة الدونية والنقص التي تحكمت فيه أمدا طويلا، وتجلى ذلك في ظهور المدرسة الماروطية (نسبة إلى الشاعر كليمون مارو (1496-1544)، في فرنسا، خلال عصر النهضة. فقد جعلت هذه المدرسة الصدارة في عملها لتقليد القدامى. ثم قامت مجموعة لابلياد ضدها. وأما الترجمة الدينية فقد كان مارثان لوثر أبرز ممثليها طيلة القرن السادس عشر. وكان إتيان دولي (1540) أول من وضع نظرية في الترجمة. وكان دولي معاصرا لإيرازموس، ولقد جمعت الرجلين جدالات في أمور لاهوتية . ويعود الفضل إلى مارتن لوثر في كونه أول من شدد على ضرورة ترجمة النصوص الدينية في أسلوب واضح، وعلى أهمية هذا الأمر في ما يعود به على عامة الناس.
1/ الترجمة اللفظية، أو الترجمة الحرفية.
2/الترجمة التفسيرية (ينص هذا المبدأ على وجوب تجاوز الألفاظ في الترجمة إلى المعاني).
3/-الترجمة المحاكية أو الترجمة الحرة (حيث يقر أنها قد لا تكزن من الترجمة في شيء).
من مقال في مفهوم الترجمة وتاريخها لروبير لاروز-ترجمة عبد الرحيم حزل(1)
2-3-الترجمة في العصر الحديث:
منذ عام 1940م، بدأت المحاولات الجادة لنقل الترجمة لمستوى آخر، معتمدة على التكنولوجيا والتطور الذي وصل إليه العالم حينها، حيث كان العلماء يتطلّعون لأن تكون الترجمة معتمدة على تقنية تكنولوجية، تقلل من الوقت والجهد المبذول في الترجمة اليدوية.
تكللت هذه المحاولات بالنجاح في عام 1950م، حيث تمكن المهندسون والعلماء من أن تكون الآلات الطباعية المتطورة حينها وبرمجيات الحاسوب قادرة على تحويل ونقل الكلمات وبعض الرموز البدائية من لغة لأخرى.
كل تلك الجهود تظافرت لتطوير الترجمة والأدوات المعتمدة عليها، وذلك دليل على أهمية الترجمة ومركزية دورها المواكب لكل تطور ولكل طفرة معرفية.
بقيت مسيرة الترجمة وأدواتها في تطوّر مستمر حتى تسعينيات القرن الماضي، حيث تمكّن الحاسوب من ترجمة الكلمات والجمل، واستطاع أن ينقل معنى العبارة والجملة من لغة لأخرى، بشكل بسيط ومقتصر على عدد من التطبيقات.
وفي يومنا هذا ما يزال قطاع البرمجيات الحاسوبية والانترنت يشهد تطوراً متسارعاً، كان للترجمة نصيب فيه، فالترجمة اليوم تساعد السائح والمعلم والطبيب والمؤرخ والتقني والمؤلف وكل شرائح المجتمع، لاكتساب مزيد من المعرفة والتعايش مع أكبر عدد ممكن من الشعوب والبلدان.
بدأت الترجمة بطرق بدائية، إلا أن تطويرها وتقديم الحلول المبتكرة لكل من يحتاجها كانت خطوة مهمة للغاية ومسؤولية كبرى أنجزها من سبقنا، وها نحن اليوم نكمل المسيرة، ونجعل للترجمة مكانة رائدة وأهمية كبرى لتعايش الشعوب وتعارف الثقافات وتنمية أعمال المؤسسات وشرائح جماهيرها.
3-آلية تطور الترجمة
تطورت الترجمة خلال السنوات الأخيرة وتزايد الإقبال والاهتمام بها، لأن الحاجة للترجمة تتزايد مع تزايد السفر للسياحة أو للتعليم أو للعلاج وغيره، فالترجمة اليوم تكاد تكون متطلباً أساسياً للمسافر في تنقله وللطالب في تعلمه وللمهندس والطبيب والطيار في عمله، وكذلك في مجال الأعمال والمشاريع التجارية والصناعية والتكنولوجية.
كل تلك المجالات ستتفتح أمامها الآفاق وتتوسع فرص استثمارها وانتشارها إذا ما خاطبت شرائح مختلفة من الجماهير والشعوب بلغاتهم وكلامهم المعتاد. وهذا يجعل للترجمة مستقبل مشرق ومجال واعد ينمو بشكل متسارع مع ازدياد الوعي بأهمية الترجمة وفوائدها للمؤسسات والأفراد في أي مكان حول العالم.
المراجع المعتمدة:
بول ريكور " عن الترجمة" ترجمة حسين خمري
الترجمة عملية خطابية-سنثيا ب.روي ترجمة: د. مهدي حسين عليوي
ترجمة القرآن، عبد الوكيل الدروبي
منهاج المترجم بين الكتابة والاصطلاح والهواية والاحتراف د.محمد الديداوي
مفاهيم الترجمة المنظور التعريفي لنقل المعرفة د. محمد الديداوي
Traduire-écrire Cultures Poétiques, anthropologie
Textes réunis et présentés par Arnaud Bernadet et Philippe Payen de la Granderie