محاضرات في مقياس القراءة النقدية للمصادر والمراجع
المحاضرة الثانية: قراءة في كتاب الأصمعيات
إحدى مجاميع الشعر العربي الأولى، وهي اختيارات الإمام الأصمعي، وتضم 72 قصيدة في 1163 بيتاً. ل 61 شاعراً، لم يسم ثلاثة منهم. وشعراء هذه المجموعة كشعراء المفضليات، جلهم من الجاهليين وفيهم إسلاميون. إلا أن الأصمعيات دون المفضليات في المكانة والشهرة. مع أنهما وصلانا في كثير من النسخ في مجلد واحد. ولم تشتهر بهذا الاسم المتعارف عليه اليوم، وإنما كان يقال لها: (اختيارات الأصمعي) قال ابن النديم: (إن الأصمعي عمل قطعة كبيرة من أشعار العرب ليست بالمرضية عند العلماء لقلة غريبها واختصار روايتها) انظر مناقشة هذا الرأي في كتاب (الأصمعي اللغوي) الشلقاني (ص130).
قال أبو الطيب اللغوي في (مراتب النحويين): (إن المفضليات كانت ثمانين قصيدة، فلما قرئت على الأصمعي صارت مائة وعشرين). وننبه هنا إلى أن المفضل يمثل مدرسة الكوفة، وكان كما يقول ابن سلام: (أعلم من ورد البصرة من رجال الكوفة) بينما الأصمعي كان إمام أهل البصرة في عصره. وكانت وفاة المفضل سنة 168 والأصمعي إذ ذاك في الرابعة والأربعين، وامتد به العمر، فكانت وفاته عام 216هـ وقد اتفقا على رواية (19) قصيدة في مختاراتهما. قال أبو عبيدة في قصيدة الحويدرة (بكرت سمية): (وهي من مختار الشعر، أصمعية مفضلية). طبع الكتاب لأول مرة في مدينة ليبزج بألمانيا سنة 1902م بعناية المستشرق وليم بن الورد، كما كان يسمي نفسه. إلا أنه أسقط (19) قصيدة منها، بحجة أنها مكررة في المفضليات، ووقعت في نشرته هذه تصحيفات كثيرة، مما حدا بالمرحومين: أحمد شاكر وابن أخته: عبد السلام هارون إلى إعادة طباعتها كاملة سنة 1955م (القاهرة: دار المعارف) في 212 صفحة. وقد قدما لكل قصيدة بما يكشف عن جوها وملابساتها، مع ترجمة الشعراء، وفهرسة الكتاب فهارس دقيقة ومتنوعة. ونشر د. السيد معظم حسين في الهند سنة 1938م قطعة من كتاب (الاختيارين) تضم قصائد مفضلية وأصمعية، ليست في مطبوعتيهما.
وعثر أمجد الطرابلسي على خمس أصمعيات، لم ترد في المطبوعة، انظرها في كتابه: (نظرة تاريخية في حركة التأليف عند العرب: ص106). وانظر ترجمة وليم بن الورد في هذه الموسوعة. قال لويس شيخو: (ولو لم يكن له من الفضل إلا وصفه المخطوطات العربية في مكتبة برلين لكفى له فخراً. وهذا الوصف يتناول عشرة مجلدات ضخمة وصف فيها عشرة آلاف وثلاثمائة وسبعين كتاباً عربياً هناك مع فهارس ممتعة مستوفية.
هذه المجموعات تسمى كذلك باسم الذي اختارها وجمعها، وهو الأصمعي الأديب الراوية المشهور، وتشتمل على اثنتين وتسعين قصيدة وقطعة، لواحد وسبعين شاعرًا، منهم ستة إسلاميون، وأربعة عشر مخضرمون، وأربعة وأربعون جاهليون، وسبعة مجهولون.
وأغلب ما تحتويه قطع قصيرة، قد تكون الواحدة منها بيتين فقط، والأصمعيات تلتقي مع المفضليات في تسع عشر قصيدة. وكان ذلك من الأسباب التي دعت بعض الباحثين إلى أن يقولوا إن مجموعة المفضليات ليست كلها من اختيار المفضل الضبي، وإنما اشترك معه في اختيارها الأصمعي بأن زاد في مجموعة المفضل بعده بعض قصائد لم يخترها المفضل الضبي، والحقيقة أن هذه القصائد المشتركة بينهما هي في المفضليات والأصمعيات اللهم إلا في النادر اليسير، فقد تزيد قصيدة بيتًا أو تختلف لفظة في المفضليات عنها في الأصمعيات مما يثير شبهة في أصل الاختيار، أيكون ذلك مرجعه إلى أن المفضل قد اختار بعض القصائد في المفضليات، ثم جاء الأصمعي فزاد في المفضليات؟ أم كانت في الأصمعيات أصلًا ثم أدخلت في المفضليات؟ أم أنهما كانا في كتاب واحد ثم دخل بعضهما في بعض، حتى لم يتبين أيهما هذا وأيهما ذاك؟ اختلفت آراء الباحثين في ذلك، وهذا كما أشرت إليه سابقًا، ليس إلا خلافًا لفظيًّا يرجع إلى صاحب الاختيار، ولا يمس جوهر الموضوع -وهو المختار
نفسه- بشيء، فقيمة القصائد والقطع المختارة في كلتا المجموعتين، في الدرجة العليا من الأصالة والصحة، ومن ينسب إليهما اختيارها كانا من الرواة الممتازين وموثوق بصدقهما وأمانتهما العلمية.
والظاهرة الغالبة في الأصمعيات قصر القطع المختارة على وجه العموم.
وربما كان الأصمعي يبغي من وراء اختياره "وجهة لغوية"، ففي الأصمعيات يتجلى مزاج الأصمعي الذي يرجح في نظره الناحية اللغوية والنحوية في كل أثر شعري، على كل الناحية الأدبية(2) ولعل هذا هو السبب فيما يقال عن الأصمعيات من أنها لم تلق ما لقيته المفضليات من الانتشار والقبول.
والحق أن الأصمعيات والمفضليات جمع كل منهما ثروة أدبية لغوية ممتازة ولكن المفضليات تفوق زميلتها في كلتا الناحيتين الأدبية واللغوية، ولعل ذلك راجع إلى اختيارها في الأصل كان يقصد منه تثقيف ولي العهد تثقيفًا أدبيًّا لغويًّا يقوي فيه الذوق الأدبي الممتاز الذي يرضي الخليفة وولي العهد. وعلى كل فكلتا المجموعتين من أهم مصادر الشعر الجاهلي، ولها قيمة عالية في عالم الأدب.
وقد نشرها بالقاهرة الأستاذان عبد السلام هارون وأحمد محمد شاكر، نشرة علمية مضبوطة مع شرح موجز.
* الاصمعيات كتاب على نسق المفضليات يضم مختارات من الشعر الجاهلي والمخضرم والإسلامي ، تبلغ اثنين وتسعين قصيدة ومقطعة لواحد وسبعين شاعرا ، منهم أربعة وأربعون شاعرا جاهليا ، وهم الأغلبية ، وأربعة عشر شاعرا مخضرما وستة شعراء إسلاميين وسبعة مجهولون ، ومن مجموع هؤلاء الشعراء أربعة وخمسون شاعرا أورد لكل منهم نموذجين ، وشاعران أورد لكل منهما ثلاث قصائد ، هما عبد الله بن عتمة وعمرو بن معد يكرب وشاعر واحد أورد له أربع قصائد هو خفاف بن ندبة .
ويتضح لنا جميعا إن الأصمعي سار على نهج المفضل في الاهتمام بالشعر الجاهلي ، ولكن نسبة عدد المقاطعات عنده كبيرة ، هذا فضلا عن أن أطول قصائد الأصمعي لم تتجاوز أربعة وأربعين بيتا ، في حين نيفت بعض قصائد المفضليات على مائة بيت ، وتجاوز عدد لابأس به منها خمسين بيتا ، وأيا كانت الحقيقة فان الاصمعيات لم تبلغ شهرة المفضليات ، ولم تظهر في عهد الشروح باهتمام الشراح مثلما حدث بالنسبة للمفضليات ، على أن الاصمعيات تشترك مع المفضليات في خلوها من أي إشارة إلى أسباب الاختيار ووجه التفضيل لما تضمنت من أشعار .