المحاضرة السادسة: السياسات الضريبية
(المحاضرة السادسة)

المحاضرة السادسة: السياسة الضريبية

نوضح من خلال هذه المحاضرة إحدى أهم السياسات العامة، وهي السياسة الضريبية، حيث إن جوهر النمو الاقتصادي ينصب أساسا على زيادة الطاقة الإنتاجية، التي تعتمد أساسا على الاستثمار الأمثل في موارد المجتمع المادية والبشرية، والجزائر كبقية البلدان النامية تسعى جاهدة للخروج من الوضع الذي تعيشه، المتمثل أساسا في نقص الموارد المتاحة لأجل تمويل المشاريع الاقتصادية وإحلال التنمية الشاملة.

وقد حرص صانعو السياسات العامة في الجزائر، على الخروج من الضائقة المالية وإيجاد حلول لتمويل النفقات ودفع عجلة التنمية للأمام، وكان من أبرز هذه الحلول الضرائب بشتى أنواعها كأنسب مورد مالي، خاصة أن دورها لا يقتصر في كونها أداة تمويلية محضة بل تعتبر إضافة إلى ذلك أداة تستخدم للتدخل في المجالات الاقتصادية والاجتماعية.

ولا يخفى علينا ما للضريبة من أهمية بالغة في تنمية الاقتصاد المحلي، وتظهر هذه الأهمية جليا في تأثيرها بشكل مباشر على عناصر التنمية الاقتصادية، المتمثلة أساسا في الادخار والاستثمار.

غير أن الجزائر قد ورثت نظاما ضريبيا رديئا عن الاستعمار، وباعتبار أن هذا النظام أحد المكونات الأساسية للسياسة المالية، فإن سياسة التعديلات الاقتصادية التي اعتمدت لا يمكن لها النجاح دون إدخال تعديلات تدفع بعجلة النمو الاقتصادي إلى الأمام.

وباعتبار الضريبة لها دور ريادي في ذلك فهي تبقى الوسيلة المثلى في يد الدولة لتوجيه الاقتصاد بالتأثير على القرارات، وبصفة خاصة في ميدان الاستثمار.

وقد انتهجت الجزائر في الآونة الأخيرة سياسة تعديلية جبائية تميزت بأداة هيكلية جذرية للجباية خاصة ما تعلق بالجباية العادية التي خولتها السلطات العمومية نوعا من الحرية في سن التشريعات الجبائية بقصد الوصول إلى مختلف متطلبات النمو الاقتصادي، ومن هذا المنطلق يمكننا القول بأن الدولة عمدت سياسة تعديلات جبائية متكررة لمحاولة تعديل النظام الضريبي ومنح حوافز ضريبية من أجل استقطاب الاستثمارات الأجنبية، علها بذلك تخرج من الأزمة الاقتصادية التي ظلت تشهدها.

وهنا سنتعرض إلى ماهية السياسة الضريبية، ومختلف الإصلاحات التي تم القيام بها منذ سنوات التسعينات والنتائج المتحصل عليها من خلالها.

 

 

أولا: تعريف السياسة الضريبية:

        تلعب الضرائب دورا هاما في اقتصاديات الدول، فالضريبة لم تعد هدف إلى الحصول على الأموال اللازمة لتغطية النفقات التقليدية فقط، إنما تعتبر أداة فعالة بيد الدولة تستخدمها لتحقيق أهدافها، ويتم ذلك من خلال استخدام السياسة الضريبية.

وقد  عرفت السياسة الضريبية بــ : هي مجموعة من البرامج التي تضعها الدولة مستخدمة كافة مصادرها الضريبية الفعلية والمحتملة، لإحداث أثار اقتصادية واجتماعية وسياسية مرغوبة، وتجنب أية أثار غير مرغوبة فيها من أجل تحقيق أهداف المجتمع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

كما عرفت بأنها: فن الاقتطاع بأحسن صيغة ممكنة مبلغ من الضرائب محدد مسبقا وتمتد عبارة أحسن صيغة ممكنة إلى عدة جوانب منها العدالة الاجتماعية، التجارة الخارجية، التطور التقني، وكذلك تنمية الادخار.

لقد تعددت تعريفات السياسة الضريبية واكتفى الباحثون الاقتصاديون بتعريف الضريبة فقط واعتبروا قرارات الدولة بشأن الضرائب هي السياسة الضريبية، ومن بين التعاريف المختلفة نذكر:

السياسة الضريبية هي: مجموعة القرارات المتخذة لتأسيس وتنظيم وتطبيق الاقتطاعات الضريبية طبقا لأهداف السلطات العمومية.

السياسة الضريبية هي: مجموعة البرامج المتكاملة التي تخططها وتنفذها الدولة مستخدمة كافة مصادرها الضريبية الفعلية والمتحملة، لإحداث أثار اقتصادية واجتماعية وسياسية مرغوبة، وتجنب أثار غير مرغوبة للمساهمة في تحقيق أهداف اجتماعية.

تعبر السياسة الضريبية عن مجموعة التدابير ذات الطابع الضريبي المتعلق بتنظيم التحصيل الضريبي قصد تغطية النفقات العمومية من جهة، والتأثير على الوضع الاقتصادي والاجتماعي حسب الوجهات العامة للاقتصاد من جهة ثانية.

يمكن تعريفها أيضا: مجموعة البرامج المتكاملة التي تخططها وتنفذها الدولة، متضمنة كافة مصادرها الضريبية الفعلية والمحتملة، لإحداث أثار اقتصادية واجتماعية وسياسية مرغوبة، للمساهمة في تحقيق أهداف المجتمع.

        ومن التعاريف السابقة نستخلص أن السياسة الضريبية تعتبر أداة تستخدمها الدولة لتحقيق البرامج الاقتصادية وتنفيذ المشاريع التنموية وتعميم الخدمات العمومية، كما تعتبر تلك السياسة التي يترتب عنها تحقيق أهداف المجتمع.  

ثانيا: أهداف ومحتوى الإصلاح الضريبي لسنة 1992:

   سعى الإصلاح الضريبي إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، يمكن إجمالها فيما يلي:

- تحقيق نمو الاقتصادي عن طريق ترقية الادخار وتوجيهه نحو الاستثمار الإنتاجي، مع تخفيف الضغط الضريبي المفروض على المؤسسات، الناجم عن تعدد الضرائب من جهة وارتفاع معدلاتها من جهة أخرى.

- خلق الشروط  الملائمة لتحقيق توازن خارجي عن طريق تنويع الصادرات، لكون هذه الأخيرة مهيمنا عليها بالمنتجات البترولية في ظل أوضاع أصبحت فيها السوق النفطية تتمتع بعدم الاستقرار.

- إعادة توزيع المداخيل بشكل عادل والعمل على حماية القوة الشرائية للعملة بدفع الضريبة لكي تكون عاملا من عوامل التحكم في التضخم، بالنظر إلى معدلات التضخم العالية التي كان يعرفها الاقتصاد الوطني آنذاك.

- المساهمة في تحقيق أهداف جهود اللامركزية السياسية والاقتصادية للبلاد، إدراكا من السلطات بأن هناك حالة من عدم التوازن الجهوي، وتباين الاستفادة من جهود التنمية بين مناطق وجهات البلاد.

- تحسين شفافية النظام الضريبي الجزائري بتبسيط إجراءاته، ومكوناته بشكل يسهل التحكم فيه، بالنظر إلى تواضع مستوى تأهيل الإدارة الضريبية.

ولقد أسفر الإصلاح عن بنية جديدة للنظام الضريبي تعتمد على العناصر التالية:

1/ الفصل بين الضرائب العائدة للدولة وتلك العائدة للجماعات المحلية:

        ويدخل هذا ضمن الاتجاهات العالمية السائدة الرامية إلى تعزيز لامركزية الحكم من جهة، وتمييز الجماعات المحلية بمواردها الخاصة التي يمكن توجيهها نحو جهود التنمية المحلية، ولقد أسفر هذا التمييز على تعيين الضرائب التالية لصالح الدولة:

أ- الضريبة على الدخل الإجمالي: وتأتي في سياق إصلاح الضرائب على الدخل بالانتقال من نظام على فروع الدخل إلى نظام إجمالي من جهة وكذلك للتمييز بين الضرائب المفروضة على مداخيل الأشخاص الطبيعيين والأشخاص المعنويين، وتفرض هذه الضريبية على الدخل الإجمالي الصافي للمكلف، وهي سنوية تصريحيه، يخضع اقتطاعها لسلم تصاعدي بالشرائح، ويخضع لها الأشخاص ذوي محل إقامة جبائية بالجزائر، أو الذين تكون مداخليهم من مصدر جزائري حتى وإن كان مصدر تكليفهم خارج الجزائر.

ب- الضريبة على أرباح الشركات: وهي ضريبة سنوية تفرض على الأرباح المحققة من قبل شركات الأموال وفق معدل سنوي ثابت، بعد أن يتم التصريح بالأرباح لدى الإدارة الضريبية.

ج- الضرائب على الأنفاق: وتتضمن هذه الضرائب مجموعة من الرسوم  أهمها الرسم على القيمة المضافة الذي حل محل الرسم الوحيد الإجمالي  على الإنتاج والرسم الوحيد الإجمالي على تأدية الخدمات، ويمس الرسم على القيمة المضافة مجالات واسعة بما يمكنه من رفع مردودية الخزينة العمومية، ويأتي اللجوء إلى الرسم على القيمة المضافة في سياق الانسجام مع الممارسات العالمية في المجال الضريبي من جهة ولكون الرسم على القيمة المضافة يمكن من تحقيق بعض الأهداف أهمها:

- إنعاش النمو الاقتصادي لكونه لا يمس الاستثمارات وبالتالي فإن تكاليف الاستثمار تنخفض بشكل محسوس.

- رفع تنافسية المؤسسات الجزائرية على مستوى الأسواق الخارجية بإعفاء المنتجات المصدرة من هذا الرسم.

- زيادة الشفافية لاعتماد الرسم أساسا على الفوترة وشفافية المعاملات.

     كما يندرج ضمن هذه الضرائب (أي على الإنفاق) الرسم الداخلي على الاستهلاك الذي يهدف إلى تحصيل موارد مالية هامة بفرضه في الغالب على منتجات ضعيفة أو عديمة مرونة الطلب، وهذا الرسم رسم نوعي يفرض على منتجات في الغالب ضارة بالصحة مثل الجعة، مواد التبغ والكبريت، وضمن الضرائب على الإنفاق نشير إلى الرسم على المنتجات البترولية والمماثلة لها وهو كذلك رسم نوعي.

د- الضرائب على رأس المال: وهي ضرائب تفرض على حركة رؤوس الأموال الطبيعية أو العرضية وتتمثل أساسا في الضرائب على الشركات وحقوق التسجيل والطابع.

ه- الضرائب على التجارة الخارجية: ويكتسب هذا النوع من الضرائب أهمية كبيرة بالنظر إلى تأثيره المزدوج على الإيرادات العامة من جهة وعلى تدفق السلع والخدمات من وإلى الخارج. فضلا عن مساهمته في حماية الاقتصاد الوطني، وتتكون هذه الضرائب أساسا من  حقوق الجمارك التي تفرض على أساس القيمة لدى الجمارك على الواردات واستثناء على بعض الصادرات.

أما الضرائب العائدة للمجوعات المحلية، وتتمثل المجموعات المحلية في البلديات والولايات ذلك أن المجموعات المحلية أصبح لها دورا بارزا في الحياة الاقتصادية والاجتماعية يدفعها إلى الحصول على الأدوات المالية للتدخل مثل الضرائب، وتتكون أهم الضرائب العائدة للمجموعات المحلية من:

أ- الرسم على النشاط المهني: وهو رسم يفرض على رقم الأعمال الذي يحققه الأشخاص الممارسون لنشاط صناعي، تجاري أو غير تجاري (مهني)، وهذا مهما كانت نتيجة المؤسسة. وتوزع حصيلته على البلديات، الولايات والصندوق المشترك للجماعات المحلية.

ب- الدفع الجزافي: وهو عبارة عن  ضريبة مباشرة على الهيئات والمؤسسات التي تشغل مستخدمين على أساس مجموع الأجور والمرتبات والمعاشات الريوع العمرية.

 ج- الضرائب على الملكية: ويتضمن مجموعة من الرسوم منها: 

الرسم العقاري: وهو ضريبة سنوية على الملكيات العقارية المبنية وغير المبنية على أساس القيمة الإيجارية الجبائية السنوية حسب  نوعية  المناطق الموجودة فيها، وتوجه حصيلة هذه الضريبة لصالح ميزانية البلديات.

 رسم التطهير: وهو رسم سنوي لصالح البلديات مقابل خدمات رفع القمامة واستعمال شبكة تصريف المياه غير الصالحة للشرب.

2/ الفصل بين الجباية البترولية والجباية العادية:

 وذلك في إطار السعي إلى إحلال الجباية البترولية بالجباية العادية بالنظر إلى عدم استقرار الأولى وخضوعها لمتغيرات كثيرة خارج سيطرة السلطة، خاصة بعد الهزة التي عرفتها السوق النفطية سنة 1986.

ومن أهم أهداف الإصلاح الضريبي تقليص تبعية الميزانية العامة للمعطيات النفطية، إلا أن الإصلاح الضريبي لسنة 1992 لم يراجع الجباية البترولية لما تتمتع به هذه الأخيرة من خصائص:

- إن مراجعة الجباية البترولية  ترتبط بتطور تقنيات الاستكشاف والاستغلال في المجال النفطي.

- إن الجباية البترولية تخضع لقواعد وأعراف تتجاوز الدولة وترتبط بالقواعد العامة المنتهجة من قبل منظمة الأوبك لهذا الشأن، والممارسة الضريبية في الدول الصناعية على استهلاك الطاقة.

- إن أساس فرض الضرائب البترولية هو كونها مقابل الترخيص الممنوح من قبل الدولة لاستغلال باطن الأرض التي تعتبر ملكا للجماعة الوطنية، في حين أن أساس فرض الضرائب العادية هو المساهمة في الأعباء العامة للدولة دون مقابل مباشر.

ومن هنا فإن إصلاح الجباية البترولية في الجزائر ارتبط بإصلاح القوانين المتعلقة بالاستكشاف، الاستغلال والنقل عن طريق القنوات والتي يعود آخرها إلى القانون 86-14 المعدل  والمتمتم بالقانون 91-21.

وأمام الرغبة في الانفتاح على الاستثمار الأجنبي المباشر، وتقليص وجود الدولة في القطاعات الاقتصادية، فإن القانون يتضمن جوانب قصور تتطلب المراجعة منها:

-  أن مشاركة الأطرف الأجنبية لا يمكن أن تكون إلا عن طريق التعاون مع سونطراك في صيغة المساهمة أو تقاسم الإنتاج أو شركة مختلطة.

- أن سونطراك تقوم بدور مزدوج  لكونها تسير مصالح الدولة الجزائرية في المجال النفطي، في ذات الوقت الذي تعتبر فيه شركة تجارية، وهذا ما يخلق حالة من التناقض في تعاملها مع الأطراف الأجنبية بين دورها التشاركي ودورها كنائب عن السلطات العمومية.

ثالثا: وضعية النظام الضريبي الجزائري لسنة 1992 على أبواب الألفية الثالثة:

لقد أسفر الإصلاح الضريبي على مجموعة من النتائج يمكن رصدها من خلال المعطيات التالية:

1- هيكل الجباية العائدة للدولة:

السنة

1993

1994

1995

1996

1997

1998

1999

2000

الجباية النفطية

179,218

222,175

336,148

507,836

570,77

348,72

560,12

720,00

الجباية غير النفطية

121,45

170,706

244,599

290,629

317,86

342,56

343,77

362,41

المجموع

300,668

392,881

580,747

748,465

887,881

721,28

903,89

1082,41

نسبة الجباية غير النفطية إلى مجموع الجباية

40,4%

43,45%

42,11%

38,83%

35,80%

47,49%

38,03%

33,48%

رغم أن هدف الإصلاح الضريبي كان إحلال الجباية النفطية بالجباية العادية إلا أن مكانة هذه الأخيرة نجدها ما فتئت  تتعز وتتدعم وذلك لعدة أسباب:

- ضعف أداء المؤسسات العمومية وحل البعض منها نتيجة التزام الدولة تجاه المؤسسات الدولية بإخضاعها لمنطق الإفلاس وخوصصة ما هو قابل منها للخوصصة، وهذا ما أدى إلى حرمان الخزينة العمومية من تحصيل ضرائب كانت تحصلها من ذي قبل.2- كثرة الإعفاءات والتخفيضات الرامية إلى تشجيع الاستثمار والتصدير والتشغيل مما خلق حالة من السعي نحو الاستفادة  من هذه المزايا، حتى باللجوء إلى الغش والاحتيال أحيانا.

- وجود توجه كبير نحو التهرب الضريبي الناجم عن الحجم الكبير للقطاع الموازي وعن وجود بعض الأسباب التاريخية، السياسية والاجتماعية مع ضعف تأهيل الإدارة الضريبية.

- تطور حصيلة الجباية البترولية الناجم عن ارتفاع أسعار البترول باستثناء سنة 1998، وانخفاض قيمة الدينار الجزائري مما يؤثر إيجابيا على الحصيلة بالدينار الجزائري.

ومثل هذا الوضع يعكس الحاجة إلى تغيير بنية الاقتصاد الجزائري بتوجيه الاستثمارات نحو القطاعات غير النفطية، وتشجيع تكوين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بتبسيط إجراءات التكوين بشكل يزيد من مساهمتها في الناتج المحلي الخام.

2- مستوى الجباية المحلية:

        تشكل الجباية المصدر الأساسي لتمويل المجموعات المحلية بالنظر إلى قصور عوائد ممتلكاتها، لكونها تنازلت عن معظمها. ومحدودية تدخلاتها الهادفة إلى تحقيق الربح. وهي بهذا تمثل أكثر من 90% من موارد ميزانيات البلديات. ورغم تخصيص بعض الضرائب لصالح المجموعات المحلية فإن البلديات خصوصا تعرف عجزا ماليا ما فتئ يتطور من سنة إلى أخرى. وعدد البلديات العاجزة ما فتئ يتضاعف إذ انتقل عددها من 889 بلدية سنة 1995 إلى 1090 بلدية سنة 1996م، إلى 1159 بلدية سنة 1998 وإلى 1242 بلدية سنة 2000، بديون إجمالية مقدارها 22 مليار دينار جزائري. وهذه الوضعية جعلت الصندوق المشترك للجماعات المحلية غير قادر على تغطية العجز إلا في حدود 57% من الطلب المعبر عنه.

وتعود هذه الوضعية إلى:

سوء تقدير المشاريع ذلك أن معظم البلديات لا تتوفر على هياكل فنية ملائمة ولا موارد بشرية مؤهلة و 38,99% من موظفي البلديات لا يعرفون القراءة ولا الكتابة، و26,86% ذوي مستوى ابتدائي و17,17% ذوي مستوى متوسط.

حل الكثير من المؤسسات المحلية في إطار برامج الإصلاح الاقتصادي مما قلص من حجم الإيرادات الجبائية. وأدى تسريح العمال بدوره إلى تقليص الدفع الجزافي.

المجال الواسع لتدخل البلديات باعتبارها البوابة الأولى للمواطن، مع ضعف فعالية الجمعيات والهيئات الجوارية وفقدانها لوسائل المساعدة والعون.

الإجراءات التحفيزية للاستثمار المتخذة من قبل الحكومة والتي لها انعكاس سلبي على موارد الجماعات المحلية مثل إلغاء الرسم النوعي الإضافي وتخفيض معدل الدفع الجزافي، والرسم على النشاط المهني.

3- الضغط الضريبي:

 يعبر الضغط الضريبي عن نسبة الاقتطاع الضريبي مقارنة بالناتج المحلي الخام، وهو إحدى المؤشرات المستخدمة لتقييم الأنظمة الضريبية بسماحه بالمقارنة بينها، فضلا عن أن ارتفاعه فوق مستويات معينة يمكن أن يكبح النشاط الاقتصادي، ولقد تراوح مستوى الضغط الضريبي العام في الجزائر من 28,15% سنة 93، 29,74% سنة 1994، 33,48% سنة 1995، 34,84% سنة 1996، 35,34% سنة 1997، 28,44% سنة 1998، 30,95% سنة 1999، إلا أن هذا المعدل مضلل بهذا الشكل لكون جزء كبير من الناتج المحلي الخام يصل أحيانا إلى 35% هو عبارة عن نفط، وأن الجباية البترولية كانت مساهمتها دائما أكبر من 53% من الحصيلة الضريبية، ومن هنا فإن اعتماد الضغط الضريبي للجباية العادية منسوبا إلى الناتج المحلي الخام خارج المحروقات يكون أكثر دلالة وتعبيرا.

وهكذا نسجل المعدلات التالية للسنوات 93-1999م على التوالي: 16,27%، 18,95%، 22,02%، 20,43%، 20,51%، 19,33% و18,65%، ومثل هذه المعدلات تعتبر أقل مما هو سائد في الكثير من الدول، ففي الدول الصناعية الكبرى السبع يتجاوز معدل الاقتطاع أحيانا 42,5% ولا يقل عن 27%. وهذا يؤشر على ضعف الإدارة الضريبية في إيجاد الأوعية الضريبية الملائمة ذات المردودية، فالكثير من الضرائب المكونة للهيكل الضريبي الجزائري ذات مردودية ضعيفة.

4- استقرار النظام الضريبي الجزائري:

لم يستطع النظام الضريبي الجزائري التخلص من آفة التعديلات المستمرة، مما يؤشر على عدم وضوح الرؤية لدى السلطات الاقتصادية وهيمنة العقلية المالية الرامية إلى البحث عن الموارد وهكذا نرى ظهور الكثير من الضرائب الجديدة لاعتبارات ظرفية لكن ريثما تترسخ، فعلى سبيل المثال نشير إلى تأسيس:

- الرسم على الأنشطة الملوثة والخطيرة على البيئة(ق.م 1992).

- مساهمة التضامن الوطني (ق.م 1994).

- الرسم النوعي الإضافي (ق.م 1994).

- الإتاوة على استعمال الماء (ق.م 1996).

- الرسم على السكن في الولايات الكبرى: الجزائر، قسنطينة، وهران (ق.م 97 وما بعده). ومثل هذه الإضافة تعمل شيئا فشيئا على إثقال النظام الضريبي ومنها تعقيده، فلا يكاد يخلو قانون مالية من تدابير  تعديلية في المجال الضريبي، فقانون المالية لسنة 1993 تضمن 45 إجراءا ضريبيا ما بين تعديل، إلغاء و/أو إتمام، قانون المالية لسنة 1995 تضمن 49 إجراءا ضريبيا من نفس الطبيعة السابقة، وقانون المالية التكميلي لسنة 2001 تضمن بدوره 19 إجراء ضريبيا ما بين تعديل، إلغاء و/أو إتمام، إلا أن هذه التعديلات يجب ألا تحجب بعض الاتجاهات الإيجابية للنظام والمتمثلة في:

- تخفيض نسبة الاقتطاع الخاصة بالضريبة على أرباح الشركات إلى 30%.

- تخفيض نسبة الاقتطاع العليا للضريبة على الدخل الإجمالي إلى 40% ورفع الحد الأدنى المعفى من الإخضاع إلى 60.000 د.ج.

- تخفيض معدلات الرسم على القيمة المضافة من أربع معدلات عند التأسيس إلى معدلين.

مراجعة التعريفة الجمركية باعتماد أربع معدلات أقصاها 30%.

رابعا: تحديات الألفية الثالثة والجباية في الجزائر:

يعيش الاقتصاد الجزائري في عالم تحكمه مجموعة من المؤثرات الاقتصادية، الاجتماعية والسياسية، وهي كلها في الألفية الثالثة نتاج العولمة الاقتصادية التي أصبحت المحدد لسلوكيات الدول والمنظمات الدولية، والتي أفرزت في ذات الوقت مجموعة من الحقائق تمثل تحديا أمام الاقتصاد الجزائري أهمها:

1- نمو التجارة العالمية:

باعتبارها اليوم هي المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي، بحيث تسعى الدول لدعم وترقية الصادرات في ظل القوة المتزايدة للشركات متعددة الجنسيات. واعتبارا لكون  اتساع حجم السوق يساهم في الإفادة من وفورات الحجم، والإشكال المطروح أمام الاقتصاد الجزائري كون الصادرات النفطية تمثل نسبة 96%  وهيكل الصادرات خارج النفط يتكون من  السلع نصف التامة (الزيوت، مشتقات النفط، الحديد والصلب) بنسبة 2,44% من الحجم الإجمالي للصادرات، التجهيزات الصناعية بنسبة 0,24%، المواد الخام (الفوسفات)، بنسبة 0,21% وبعض المواد الغذائية كالتمور بنسبة 0,15%، وهذه الأرقام لا تمثل إسهاما في التجارة الدولية، ولا تعكس أداء متميزا للمؤسسات الجزائرية، مما يجعل المؤسسات الجزائرية أمام رهان التنافسية والتحكم في قواعد الصنع، الصحة والبيئة بشكل يمكنها من جهة من الدخول إلى الأسواق الدولية، ومنافسة المؤسسات الأجنبية في السوق الجزائرية خاصة بعد إبرام اتفاق الشراكة الأورو متوسطية من جهة أخرى، إن نمو التجارة يتحدد في النهاية بمدى قدرة المؤسسات الجزائرية على أداء الخدمات التي أصبحت تتجاوز خمس التجارة العالمية، وهذا من شأنه أن يجعل الصناعات التي تعتمد في نجاحها على كفاءة الخدمات في وضع حرج، ورغم التدابير الضريبية المتعلقة بإعفاء الصادرات من بعض الرسوم والضرائب فإن ذلك لم يكن له الأثر على رفع تنافسية المؤسسات لأن جزءا كبيرا من المدخلات الصناعية لإنتاج المواد مستورد ويخضع لرسوم جمركية مرتفعة، وأحيانا إلى رسوم أخرى كالرسم النوعي الإضافي الذي تم إلغاؤه أو الرسم الإضافي المؤقت أو الرسم الداخلي على الاستهلاك.

ومثل هذه الوضعية تتطلب تحليلا دقيقا لكل قطاع اقتصادي لتحديد درجة اندماجه الداخلي ومعاملته ضريبيا على هذا الأساس، بالإضافة إلى كون الضرائب على الأجور والاشتراكات الاجتماعية تؤثر تأثيرا واضحا على تكلفة العمل ومن ثم على سعر التكلفة.

2- نمو الاستثمارات الأجنبية:

حيث أصبح ينظر إليها على أنها الشكل التمويلي  البديل للمديونية وتعمل الدول على ترقيته وتحفيزه بتهيئة المناخ الملائم له. وإذا كانت تدفقات الاستثمار الأجنبي تتوطن بنسبة 70% في الدول الصناعية الكبرى فإن ذلك لما تتمتع به جاذبية في كل مكونات المناخ الاستثماري.

والجزائر بالرغم من التدابير الجبائية الكثيرة الواردة في القانون 93/22 المتعلق المتعلقة بترقية الاستثمار وبعده الأمر 01-03 المتعلق بتطوير الاستثمار، فإن استقطابها  للاستثمارات الأجنبية محدود خاصة في القطاعات غير النفطية، فمجمل عقود الاستثمار التي تمت مع الشركات القابضة العمومية سنتي 97 و98 لم تبلغ مستوى مليار دولار أمريكي، وهو مبلغ ضئيل مقارنة بحجم الاقتصاد الجزائري، ويعود جزء من ذلك إلى طبيعة النظام الضريبي الجزائري المتسم بتعقد إجراءاته الإدارية. وعدم اعتماد الإدارة الضريبية فكرة الزبونية في علاقتها مع الغير، إذ تنظر بعين الريبة لكل متعامل اقتصادي على أنه محتال مفترض، كما تتميز الإدارة الضريبية ببطئها نتيجة عدم اعتمادها على الإعلام الآلي في التسيير وانخفاض مستوى تأهيل مواردها البشرية، ولقد دعم هذا الإحجام ارتياب الأجانب في نجاح الجزائر في الانتقال إلى اقتصاد السوق.

 

3- تطور الاتصالات وانتشار الشبكة العالمية للانترنت:

بشكل أصبحت معه الحدود الجغرافية غير ذات معنى، وإذا كان التعامل بالانترنيت متاحا اليوم للجميع فإنه يقتضي من الدول النامية ومن بينها الجزائر تحرير اقتصادياتها والانسجام مع المعايير الدولية في مختلف المجالات.

إذ أن الكثير منها يفتقر إلى البنية الأساسية والمهارات  الفنية واللغوية لاستخدام هذه الشبكة، التي أصبحت تلعب دورا بارزا في مجال المعاملات التجارية، فلقد بلغ حجم التجارة الإلكترونية سنة 1996 مستوى 03 مليار دولار ليرتفع إلى 84 مليار سنة 1998 ويتوقع أن يصل إلى حدود 1234 مليار دولار، وتطرح التجارة الإلكترونية مجموعة من التحديات الضريبية لكون هناك من  يرفض أصلا إخضاعها لمبدأ الضريبة  وهذا قصد  تسهيل تعميمها، إلا أنه على اعتبار ضرورة إخضاعها، معاملة لها بالمثل مع التجارة العادية، فإن ثمة مشكلات منها:

- صعوبة تحديد مكان إجراء المعاملات بالنظر إلى طبيعة المؤسسات القائمة بهذا النوع من المعاملات فأغلبها مؤسسات افتراضية.

- صعوبة إثبات المعاملات والعقود حيث لا تخضع عملية التسليم لنقطة جغرافية واضحة، خاصة وأن جزءا كبيرا من المنتجات ذو طبيعة رقمية كالبرمجيات، الموسيقى، الاستشارات.

- صعوبة إيجاد الأساس الذي يتم بموجبه إخضاع المعاملات للضريبة، ورغم وجود بعض الاقتراحات في هذا المجال فإن تجسيدها في أرض الواقع ليس سهلا لأنها تتضارب مع قوانين السرية والأمن، وتتجاوز منطق الخصوصيات والحريات الفردية.

- ضرورة إيجاد إدارة ضريبية عالية الكفاءة مجهزة بأحدث وسائل الإعلام الآلي مدعومة بكوادر يتحكمون في تقنيات التجارة الإلكترونية، وهذا أمر صعب في الواقع الجزائري، فلا زال الإعلام الآلي لم يعمم في المدارس والمعاهد، وشبكة الانترنيت الجزائرية من أضعف شبكات الانترنيت من حيث ضعف التدفق وارتفاع تكلفة الاستخدام.

4- الاتجاه المتزايد نحو تشكيل التجمعات الإقليمية:

 باعتباره رافدا من روافد العولمة وعاملا مساعدا على خلق الأسواق الكبيرة، ومثل هذا الاتجاه يدفع بالدول إلى تنسيق سياساتها الضريبية، والجزائر تنتمي في الواقع إلى اتحاد المغرب العربي الذي سعت دوله منفردة إلى إبرام اتفاقيات شراكة مع دول أوربا، وهذا مؤشر انعدام التنسيق بين هذه الدول، إلا أن التحديات الراهنة تفرض عليها تفعيل الاتحاد لمواجهة التهديدات الاقتصادية للتجمعات الإقليمية الأخرى، ولتتمكن من التفاوض من موقع  قوة في المنابر الدولية.

إن تنسيق الأنظمة الضريبية المغاربية لا بد أن ينصب على الجوانب التالية:

- تنسيق مدونة الضرائب بتوحيد التسميات والمفاهيم الضريبية المستعملة.

- تنسيق المعدلات الضريبية المستخدمة لتوفير جو سليم للتنافس على استقطاب الاستثمارات.

- تنسيق أنظمة الاهتلاك المعتمد والمعدلات المستخدمة بما يوفر ظروف متشابهة لاستخدام القيم الثابتة.

- تنسيق أنظمة الإعفاء والتخفيض الضريبي.

- العمل على تفادي الازدواج الضريبي بتفعيل الاتفاقية المغاربية المؤرخة في 14/07/1993 والتي تضمنت:

* إرساء قواعد التعاون المتبادل في ميدان الضرائب على الدخل.

* تكريس مبدأ التعاون المستمر لبناء صرح مغرب عربي موحد.

* تيسير تنقل الأشخاص والبضائع حرصا على تبادل الخبرات وإنجاز مشاريع مشتركة في شتى المجالات.

* ضرورة توسيع الاتفاقية إلى الضرائب الأخرى من غير الدخل.

*التنسيق في مجال التهرب الضريبي بتبادل المعلومات عن المبادلات والأنشطة الاقتصادية الممارسة والتبليغ المتبادل عن العمليات المشبوهة.

إن الجهد المبذول في مجال التنسيق الضريبي المغاربي بدأ منذ سنة 1990 باجتماع فريق عمل بالجزائر بتاريخ 14/07/1990 لرسم خطة لتحقيق هذا الهدف، تلاه اجتماع بالرباط بـ 16/10/1990 إلا أن العمل سرعان ما توقف إلى غاية أفريل 1993 حيث تم في تونس تقرير إعداد العناصر المرجعية الخاصة بالسياسات النقدية والمالية والضريبية، إلا أن النتائج لم تظهر لحد الآن.

إن تحديد الإطار الاقتصادي الذي يأخذه اتحاد المغرب العربي، وتحديد الآفاق الزمنية للانتقال إلى مراحل أعلى من الاندماج قد يكون عاملا مساعدا على تحديد الاتجاه الذي يأخذه التنسيق والآفاق الزمنية لذلك.

5- تحدي البيئة:

 أصبحت البيئة منذ مؤتمر ستوكهولم عنصرا مهما من عناصر السياسة الاقتصادية، خاصة بعد ظهور مشكل طبقة الأوزون ومشاكل الانبعاث الحراري، وقد تم عقد الكثير من الارتباطات بين المظاهر البيئية وبعض المتغيرات الاقتصادية كاستنزاف الموارد الطبيعية وظاهرة التلوث، واستنزاف الأرض والإنتاج الغذائي، وبهذا أصبحت البيئة اهتماما عالميا من خلال المنظمات الدولية كالبنك العالمي، وسعت الدول إلى اعتماد الكثير من الآليات لحماية البيئة ومن بينها الضريبة التي اعتمدتها الكثير من الدول.

ولقد سعت الجزائر منذ قانون المالية لسنة 1996 اعتماد إتاوة لاقتصاد الماء، وإتاوة للمحافظة على نوعية المياه، وقبل ذلك في قانون المالية لسنة 1992 بفرض رسم على الأنشطة الملوثة أو الخطيرة على البيئة، إلا أن مردودية هذه الضريبة ليست كافية لتغطية تكاليف تسيير النفايات وتلوث الهواء، بالإضافة إلى ضرورة أن تكون ذات طابع تحفيزي على إزالة النفايات بدلا من الطابع العقابي، كما أن هذه الضريبة لا بد أن تتجه في اتجاه استعمال المنتجات غير الملوثة كالبنزين الخالي من الرصاص، وتسعى الدول الصناعية خاصة إلى جعل الضرائب البيئية محايدة ماليا بحيث لا تضيف أعباء ضريبية إضافية على المكلف مما يعني مراجعة بعض الضرائب الأخرى لإزالة الأثر المالي الناجم عن تأسيس ضرائب بيئية.

5- تحدي النفط:

 ذلك أن النفط يعتبر المولد الأساسي  للموارد الميزانية ومن العملة الصعبة للجزائر، إلا أن ذلك يصطدم بصفة أساسية بالعمر الافتراضي للنفط على ضوء الاحتياطات المؤكدة المعروفة حاليا، مما يطرح إمكانية نضوب النفط وتهديد الموارد، ومن ثم فإن تمديد العمر الافتراضي يتوقف على جهود الاستكشاف بتشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث أن كثافة الاستكشاف في الجزائر  تعتبر ضعيفة إذ تقدر بـ 9 آبار في كل 10.000 كلم2  في حين هي في حدود 500 بئر في أمريكا الشمالية و 65 بئر في الدول الاشتراكية سابقا.

 ويعتبر الإطار الحالي للاستثمار البترولي غير محفز بشكل كبير، فمنذ إقرار القانون 86-14 تم إمضاء حوالي أربعين عقد مشاركة إلى غاية 1999 منها:

08 هي في طور الاستغلال،03 في طور النمو، الباقي في طور البحث أو تكون المشاريع التي لم تصل إلى نتائج قابل للاستغلال تجاريا.

ويعتبر نظام الجباية البترولية الجزائري من أثقل الأنظمة الضريبية، إلا أن إصلاحه يتطلب بالضرورة مراجعة القانون البترولي و إعادة النظر في مهام سونطراك، والفصل بين مهام التنقيب والاستكشاف و مهام الضبط، ومثل هذه التدابير حتى وإن كانت ممكنة إجرائيا إلا أنها تواجه مقاومة كبيرة من النقابات و الكثير من أصحاب المصالح في قطاع ليس كباقي القطاعات في أهميته.

ومن المشاكل التي تواجه الاستثمار في الجزائر هو تراجع تكلفة الإنتاج في المناطق الأخرى ذات التكلفة العالية نسبيا عبر الاستثمار في التكنولوجيا المخفضة للتكاليف التي تشمل المسح الزلزالي ثلاثي ورباعي الأبعاد، تكنولوجيا الحفر الأفقي، المنصات العائمة وغيرها.

ومثل هذا الخفض أدى إلى دخول أعداد كبيرة من الحقول الهامشية في الخدمة الفعلية، وسمح ذلك لشركات البترولية بالتوجه نحو مناطق كاليمن ، الكونغو، أنغولا والأرجنتين، كما ساهمت الآثار المرتبة عن انخفاض أسعار النفط في سنة 1998 في دفع الشركات البترولية الكبرى إلى الاندماج في صورة شركات طاقة متكاملة وكل هذه العوامل لها تأثيرها على الواقع الجزائري.

7- التفكيك الجمركي الناجم عن اتفاقية الشراكة الأورومتوسطية:

أشعرت الجزائر الاتحاد الأوربي في 13 أكتوبر 1993 برغبتها في إجراء محادثات مجدية بغرض الدخول في مفاوضات حول اتفاقية شراكة هادفة بذلك الوصول إلى منطقة تبادل حر في آفاق 2010، ولقد توقفت المفاوضات سنة 1997 نتيجة إلحاح الجزائر على الاعتراف بخصوصية اقتصادها المعتمد على النفط.

وينطلق الاتفاق من مبدأ تفكيك  التعريفة الجمركية على عدة مراحل على امتداد 12 سنة من تاريخ التوقيع الذي قامت به الجزائر في أفريل 2002.

ولقد تم تقسيم السلع إلى ثلاثة أصناف:

- المدخلات والمنتجات نصف المصنعة غير المنتجة محليا والتي تخضع لتعريفة جمركية تقدر بـ 5% والتي يمثل تفكيكها تأشيرة الدخول.

- المواد الأولية والمدخلات الخاضعة إلى تعريفة جمركية مقدرة بـ 15% و 25%.

- المنتجات المصنعة والمنتجات ذات قيمة مضافة عالية والتي تخضع لحقوق جمركية مرتفعة. وتتمتع هذه المنتجات بفترة إعفاء تقدر بخمس سنوات.

ومثل هذا التفكيك يؤدي إلى انخفاض الإيرادات الجمركية بالنظر إلى الحجم الكبير للتعامل الجزائري مع الاتحاد الأوربي الذي يتجاوز 65%، من التجارة الخارجية للجزائر، ولأهمية حاصل الجمارك ضمن الإيرادات العادية للميزانية فهي تمثل أزيد من 2,50% من الناتج المحلي الخام.

ومثل هذا الوضع يطرح أمام النظام الضريبي مشكلة كيفية تعويض النقص في الإيرادات، وإذا كان الاتحاد الأوربي يلتزم بالمساعدة على تأهيل الجهاز الإنتاجي الوطني تحسبا للمنافسة، فهل تتمكن هذه المؤسسات من الإفادة من هذه المساعدات، والوصول إلى التنافسية العالمية في ظرف زمني قصير.

 

خاتمة

        من خلال العرض السابق تبدو الألفية الثالثة مليئة بالمتغيرات الجديدة التي يمكن أن تؤدي إلى قلب معطيات الواقع الاقتصادي وتغير من آليات سيره بالنظر إلى التحولات التي تفرزها العولمة من يوم إلى آخر. والاقتصاد الجزائري لا يمكنه أن يكون بعيدا عن هذه التحولات مما يدفعه إلى التكيف معها بتكييف آليات تسييره، وتكييف سلوك الأعوان الاقتصاديين، وهنا يلعب النظام الجبائي دورا محوريا في تحقيق الأهداف الاقتصادية وتوجيه التحول يشكل يقلل من الأعباء ويضمن استمرارية المرفق العمومي بضمان تحقيق الإيرادات الضريبية.