مقياس: الصناعات الثقافية
التخصص: سمعي- بصري
المستوى : ماستر 01 :
المحاضرات:
أولا التطور التاريخي لفكرة الصناعات الثقافية :
بدأت بوادر تحول المواد الثقافية الى سلعة مع اختراع الطباعة بالأحرف المتحركة (ق 15م) من خلال الأنشطة ذات الصلة بإعادة انتاج الكتب وكذلك الصحافة المكتوبة لكن ذلك بقي على نطاق محدود الى أن جاءت الثورة الصناعية وما رافقها من اختراعات فظهرت الصحافة الجماهيرية ثم الكتاب ثم بعد ذلك التسجيل الموسيقي والسينما والراديو والتلفزيون.... الخ، وهو ما سمح لشرائح واسعة في المجتمع من استهلاك المواد الثقافية بشكل موسع جدا بعد أن كانت عملية الاستهلاك تلك عملية نخبوية تقتصر طبقات بعينها.
أما مصالح الصناعات الثقافية فبرز خلال اربعينيات القرن 20م من خلال المقال المعنون : "الإنتاج الصناعي للمواد الثقافية" في كتاب "جدل العقل التنويري" لكل من " ماكس هوركهايمر Horkheimer " " و تيودور أدورنو Adorno " اللذان ينتميان الى مدرسة فرونكفورت النقدية ، وتجدر الإشارة الى أن مصطلح الصناعات الثقافية قد بدأ بصيغة المفرد مدللا على سلبية تحول الثقافة الى سلعة تبادلية ، ليصبح بصيغة الجمع بداية من سبعينيات القرن 20 بعد أن أصبحت هذه الصناعات ركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد في دول العالم أجمع (مع وجود بعض التفاوت كما سنرى)
ثانيا: مفهوم الصناعات الثقافية
1- الصناعة :
مرت البشرية بعدة مراحل قبل الوصول إلى شكل الحياة الذي نعرفه الآن ، هذه المراحل ساهمت في رسم ملامح المجتمعات وطريقة عيشها بداية بمرحلة الجمع والالتقاط كوسيلة للبقاء وصولا إلى مجتمع الصناعة الصناعي جدا الذي نشهده الآن وحتى وصولنا الى مجتمع الصناعة باعتبارها نمطا إنتاجيا عرفنه البشرية في المرحلة الحديثة من تطورها كان لابد من المرور عبر مرحلة تاريخية عرفت عدة تحولات أو محطات ساهمت ظروفها في تطور الصناعة كنمط إنتاجي ( سيتحول لاحقا إلى نمط حياة ككل ) مغيرا بذلك مظاهر الحياة على كوكب الأرض في كل أبعادها الاقتصادية الاجتماعية، الثقافية بداية بالقارة الأوروبية مهد الصناعة و الثورة الصناعية ثم باقي مناطق العالم .
تجدر الإشارة الى أن عصر الصناعة قد جاء بعد عصر الإقطاع المظلم الذي عاشته أوروبا وسيطر عليها كليا لقرون طويلة بفعل تفشي الجهل والكوارث والأوبئة وسيطرة الكنيسة ورجال الدين واستشراس الإقطاعيين الذين تحولت إقطاعياتهم الى ممالك صغيرة مستقلة في غالب الأحيان ليتراجع هذا العصر فيما بعد ممهدا لعصر الثورة الصناعية ومن أهم العوامل التي أدت إلى اندثار العصر الإقطاعي نذكر :
أ/ النهضة الأوربية : (نهاية العصور الوسطى وبداية العصور الحديثة)
انطلقت النهضة من ايطاليا لتعم كامل القارة الأوروبية لاحقا و تعد النهضة الأوروبية حجر الأساس في مسيرة التطور والرقي الحضاري ( في معناه المادي) الذي تعرفه القارة الأوروبية وبدأت من خلال الرجوع الى التراث الإغريقي والروماني والعربي الإسلامي الذي فتح أبواب أوروبا وشرعها في وجه الثقافات الأخرى واستفاد منها الأوروبيون الى حد بعيد في انعتاقهم من قبضة عصر الظلمات العصور الوسطى الذي قبعت في القارة مطولا.
ب/ الكشوفات الجغرافية:
بدأت الكشوفات الجغرافية الأوروبية للعالم انطلاقا من حاجة أوروبا الى موارد جديدة لدعم النشاطات الجديدة التي انبثقت عن النهضة الأوروبية فكانت البداية من الأسبان والبرتغاليين من بعد ذلك ظهرت الشركات التجارية الكبرى الانجليزية والهولندية مثل شركة الهند الشرقية البريطانية وشركة الهند الشرقية الهولندية ،و قد تحولت هذه الشركات الى امبراطوريات قائمة بحد ذاتها، و لها جيوش تفوقت على جيوش بلدانها الام عدة و عتادا، و اصبحت تلعب دورا هاما في المسائل العسكرية و سيطرت على البحار حول العالم بفعل قوتها الضاربة و ساهمت في استنزاف ثروات اراض مهولة على غرار الهند. الى جانب ذلك وضعت حجر الأساس لما بات يعرف بالرأس مالية أو النظام الرأس المالي وقد أدت هذه الكشوف الجغرافية الى تراكم كبير لرؤوس الأموال مما ولد طبقات اجتماعية واقتصادية جديدة كسرت سيطرة الطبقة الأرستقراطية والإقطاعية القديمة
ملاحظة:
- يشوب الكشوف الجغرافية الكثير من التضليل فرحلات كولومبوس التي عرفت على انها الاولى نحو القارة الأمريكية يعزوها البعض الى المسلمين نظرا لتفوقهم في الملاحة وعلم الفلك وصناعة السفن.
- هناك العديد من المآخذ لأخلاقية على الكشوف الجغرافية أبرزها قضية الابادة الجماعية للهنود الحمر الذين أصبح عددهم 200 الفا فقط بعد أن كانوا 10 ملايين أو 100 مليون نسمة عام 1500م.
ج/ حركة الإصلاح البروتيستانتي:
ربط المفكر الألماني ماكس فيبر في مؤلفه "الافكار البروتيستانتية وروح الرأسمالية" بين حركة الإصلاح المدني وظهور المجتمع الصناعي مقرا بذلك بان أهم عامل من عوامل تحول المجتمع الأوروبي من الاقطاع إلى الصناعة وإنما هو العامل الديني . نظرا لإرتباط الكنيسة الكاثوليكية بالنظام الإقطاعي ارتباطا وثيقا ساهم في فرض سيطرة الاقطاعيين من خلال تعاليم الكنيسة التي أبقت على باقي طبقات المجتمع ضمن نطاق العبودية والخدمة و تحالفت الكنيسة مع الإقطاعيين وتقاطعت مصالحهم مما جعل الإصلاح الديني حتما سيؤدي إلى اندثار الاقطاعيات وأصحابها .
د/ الثورة الصناعية: (انجلترا منتصف ق 18م)
وهي ثاني محطة في النظام الرأسمالي الحالي. وتعتبر الثورة الصناعية."ذلك التطور المتسارع الذي عرفته تقنيات الإنتاج خاصة بعد 1871"
*خصائص الثورة الصناعية :
- تعويض الآلة للإنسان (جهدا ومهارة )
- تعويض مصادر الطاقة
- تعويض مواد أولية جديدة ومتوفرة بشكل كبير خاصة المعدنية والصناعية للمواد النباتية والحيوانية
هذه " التعويضات" ستؤدي حتما إلى ولادة شكل إنتاجي ضخم للسلم وهو ما سيتطلب حتما سوقا لتصريف هذه المنتجات وهو ما سيجعل "الاستهلاك" مفهوما محوريا للإنتاج الصناعي.و هو الفرق بين الرأسمالية الصناعية و الأنظمة الانتاجية الأخرى فالاولى بهدف الإنتاج فيها الى التسويق بينما الثانية بهدف الى تحقيق الاكتفاء الذاتي فقط .
وهو ما يعني بان النظام الصناعي ككل قائم على ركيزتين هما الإنتاج و الاستهلاك اختلال أحداهما يؤدي إلى انهيار النظام ككل مما يجعل "الكساد" اكبر وباء يمكن أن يخرب النظام الاقتصادي الصناعي خير مثال على ذلك الأزمة العالمية التي تعدها العالم في ثلاثينيات القرن 20م أو ما يعرف بالكساد الكبير ( الو.م.أ 1929) والذي لم يؤثر فقط على الاقتصاد بل امتدت أثاره المدمرة إلى النظام الاجتماعي .
ثم الأزمة المالية العالمية (2007/2008) والتي ارتبطت بالقطاع العقاري وبدأت بالولايات المتحدة الأمريكية ثم أوروبا فآسيا فدول الخليج.
هذه النتائج الوخيمة جعلت الأصوات ترتفع للتحذير من آثار هذا النظام عن الإنسان من خلال اقتلاعه من بيئته وغرسه في الحركة الحضرية الصناعية والتي ولدت التفكك والعزلة الفعلية والنفسية و الاغتراب وكذلك هجرت قوى الإنتاج من الريف مما خلق الأحياء والفوضوية الفقيرة والتي عصفت بها المشكلات الخ والجريمة الا أن الأوضاع تحسنت لاحقا بفعل ظهور النقابات و انخفاض ساعات العمل وارتفاع الأجور .
مرت الثورة الصناعية بالمراحل التالية :
1- الثورة الصناعية الأولى:
- بدأت مع ظهور الألة البخارية التي سمحت بتطور وسائل النقل ..(خاصة القطارات والبواخر).
- تطور تقنيات الإنتاج بفعل تطور ما عرف بالمحرك البخاري الذي أخترعه. أو حسنه (جميس واط/ الأسكتلاندا)
- كانت بدايتها في إنجلترا ثم انتشرت لإكمال أوروبا.
- أهم الصناعات انتشارا صناعة النسيج ، الصناعات التحويلية الصناعة التحويلية المتعلقة بالتعدين .
- تعد هذه المرحلة الأكثر قسوة بالنسبة للإنسان الأوروبي من حيث ظروف العمل الصعبة .
2/ الثورة الصناعية الثانية : (منتصف القرن 19)
- بدأت مع إختراع الكهرباء أو بالأحرى اكتشاف الكهرباء لأنها شكل من أشكال الطاقة الموجودة في الطبيعة ، وجاء الاكتشاف عبر قرون وحضارات وأسماء كثيرة ، شاركت في ذلك لكن التاريخ لم يذكر غير توماس أديسون .
- شهدت الكثير من التحولات الاجتماعية و الاقتصادية والثقافية .
- ظهور اختراعات جديدة ومتسارعة .
- تحسين أحوال العمال تدريجيا.
- بروز الأفكار الفوردية Fordism في الو.م.أ والي زادت معدلات الاستهلاك بشكل كبير .
(الفوردية: مبدأ عمل أو تنظيم الإنتاج ظهر 1908 على يد هنري فورد صاحب شركة فورد مبادئها يمكن تحقيق الرفاهية من خلال خفض تكلفة الإنتاج والتوسع في التسويق وجني مزيد من الأرباح للعمال) .
3/ الثورة الصناعية الثالثة:
- بدأت مع اختراع الرقاقة الإلكترونية سنة 1970.
- ارتبطت بالتطور الهائل في التكنولوجيات الحديثة للإعلام والإتصال.
- شهدت تغيير الكثير من المبادئ التي قام عليها النظام الصناعي .
بناء على ما سبق فالصناعة هو " ذلك النشاطا الاقتصادي المرتبط بالإنتاج الضخم للموارد والسلع الموجهة للاستهلاك الجماهيري ويقوم بالاساس على الآلة والتكنولوجيا الحديثة" ولذلك يمكننا اختزاله في عنصرين:
- نظام إنتاجي ضخم
- إستهلاك جماهيري ضخم .
2/ الثقافة :
يعد مفهوم الثقافة من المفاهيم المعقدة نسبيا والمثيرة للنقاش والجدل لكن عموما ولفهم المصطلح أكثر يمكننا أن نقول أن للثقافة مفهومين عام وخاص:
أ/ المفهوم العام للثقافة :
- ترتبط الثقافة بالإنسان بشكل أساسي نظرا لامتلاكه ملكة "العقل" التي جعلته يتطور ويتقدم ويتحول وعملية التطور والتقدم هذه هي ما يكمن أن نطلق عليه "الثقافة" .
- أصل كلمة Culture هو المصطلح اللاتيني Cultura ويعني الاهتمام بالحقل وفلاحة الأرض. وأستعير للتعبير عن الاهتمام بالروح وتحسينها وتطوير إمكانيات الشخص الفكرية والحسية من خلال التربية ، القراءة، التعلم ، الدراسة ، التفكير ، السعي والعلاقات الإنسانية .
- يمكن أن نعتبر أن الثقافة هي كل تطور أو تحسين أدخله الإنسان على طبيعته أو على الطبيعة. فالإنسان هو المخلوق الوحيد الذي حسن وعدل محيطه الطبيعي فطور مسكنه ولباسه وطعامه وأوجد مصادرا جديدة للطاقة ولذلك فإن الثقافة لم تسمح له بالتأقلم مع محيطه فحسب لكنها أيضا كيفت هذا المحيط لصالحه من خلال السماح له بتغيير الطبيعة.
- يمكن أن نعرف الثقافة على انها : "كل ما لم يولد به البشر وهب بذلك تشمل مخترعات الإنسان وإنتاجه المادي وغير المادي".
- ويعرفها : فريديرك تايلور : " الكل المركب الذي يشمل المعرفة والمعتقدات ولأخلاق والقانون والعرف وغير ذلك من الإمكانيات والعادات التي يكسبها الإنسان باعتباره عضوا في المجتمع ."
ب/ المفهوم الخاص للثقافة :
أصبح مصطلح الثقافة مستخدما في كل المجالات تقريبا كالثقافة الصحية، الثقافة الوطنية، الثقافة الدينية ، الرياضية ، .........إلخ
- بالنسبة إلى مفهوم الثقافة في إطار الصناعة الثقافية فهو يشير إلى "مجموعة من الأنشطة الإنسانية ذات الصيغة الفنية والفكرية" .
ولكي يعتبر أي نشاط ثقافي لابد من توفر 3 خصائص هي :
- يجب أن يجسد بطريقة ما شكلا للإبداع في إنتاجه .
- يجب أن ينتج ويعبر عن مواد رمزية .
- يجب أن يجسد على الاقل شكلا من أشكال الملكية الفكرية
3/ الصناعات الثقافية :
*هي الأنشطة التي تنتج وتعيد إنتاج الأعمال الثقافية حسب مبادئ الإنتاج الصناعي.
* هي تحويل الأعمال الثقافية والفنية الأصلية إلى سلع استهلاكية تعرض في السوق من خلال الإنتاج الضخم والذي لابد أن يقابله إستهلاك جماهيري ضخم.
* هي مجمل الأنشطة الإنتاجية والتبادلية للمواد الثقافية والتي تخضع للقواعد التجارية وتقنيات الإنتاج المتطورة ويكون العمل خاضعا للنمط الرأسمالي من خلال الفصل بين المنتج وإنتاجه وبين الأعمال الإبداعية وعملية تنفيذها .
ثانبا: عناصر الصناعات الثقافية
تقوم الصناعات الثقافية عموما على العناصر التالية:
1- العمل الإبداعي:
و يمثل العمل أو المادة التي خضعت لعملية إعادة الإنتاج ويعد الوسط الثقافي ، الاهتمام ﺑﺎﻹﺑـــداع بشكل ﻋـــﺎم ﻓـــﻲ ﻛـــل مراحل حياة اﻟﻔـــرد واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ اﻟذي ﯾﺣﯾﺎ ﻓﯾﻪ اﻷﻓ راد مصادر للأعمال الإبداعية ﻓـﻲ العموم وذﻟـك ﻣـن ﺧـﻼل النشاط الثقافي والفني للأفراد ﻓــﻲ في الحياة اليومية أو ﻣـن ﺧـﻼل التربية الفنية ﻓﻲ اﻟﻣـدارس أو ﻓـﻲ المراكز الثقافية والإعلامية، وكذلك ﻣـن ﺧـﻼل تكوين وتأطير الفنانين المشتغلين في الميدان الثقافي بإنشاء مراكز ومدارس متخصصة ﻓـﻲ ذﻟـك، ويمكن مماثلة الأعمال الإبداعية التي ينتجها الأفراد بالمادة الخام التي تعتمد عليها الصناعات الأخرى.
2- العمل التحويلي أو الإنتاجي:
هــذا العمــل یســتدعي تــدخل الكثیــر مــن العناصــر فــي العمــل الإبــداعي لأن إنتاجـه وإعـادة إنتاجـه بهـدف تقدیمـه فـي شـكل جدیـد یتطلـب تـوفیر إمكانیـات عدیـدة وضــخمة، ویــتم ذلــك باســتثمار الأمــوال فــي إنشــاء المؤسســات والهیاكــل القاعدیــة اللازمــة، و كــذا مواكبــة التطــورات الحاصــلة فــي هــذا المجــال مــن خــلال اللجــوء لاستخدام التقنیات الحدیثة.
3- العمل التوزيعي والتسويقي:
هـذا المسـتوى الثالـث یمكـن اعتبـاره بأنـه أهـم عنصـر فـي الصـناعات الثقافیـة، وذلـــك لأن هـــذه الأخیـــرة مثلهـــا مثـــل الصـــناعات الأخـــرى یجـــب أن تبحـــث عـــن المسـتهلكین، أي الســوق التصــریف منتجاتهـا، ویــتم ذلــك مـن خــلال الاســتفادة مــن التقنیـات المعاصــرة فـي التســویق كدراسـات الســوق و كـذا الاعتمــاد علـى الإشــهار والترویج.
ثالثا: الصناعة الثقافية و الصناعات الثقافية:
هنــاك مصــطلحات تتقــاطع مــع الصــناعات الثقافیــة فــي نقــاط معینــة ولكنهــا تختلـف عنهـا فـي جوانـب أخـرى، وللـتمكن مـن مصـطلح الصـناعات الثقافیـة بشـكل أكبــر لابــد مــن تبیــان الفــروق الأساســیة بینهــا وبــین هــذه المصــطلحات والتــي یعــد أهمها ما یلي:
1- الصناعة الثقافیة والصناعات الثقافیة:
لقـد اسـتعمل مصـطلح صـناعة الثقافـة بصـیغة المفـرد مـن طـرف رواد مدرسـة فر نكفــورت أو مــا یعــرف فــي بعــض الأحیــان بتســمیة المار كســیة الجدیــدة مــن أجــل رفـض فكـرة سـلعنة الثقافـة وذلـك فـي سـنوات الأربعینیـات مـن القـرن العشـرین، لكـن بدایــة مــن ســنوات الســبعینیات عــاد المصــطلح بصــیغة الجمــع مجــردا مــن صــبغته النقدیـة والماركسـیة وذلـك للدلالـة علـى أهمیـة المجـال أو المیـدان الثقـافي فـي الحیـاة الاقتصـادیة والاجتماعیـة للشـعوب والمجتمعـات، وبالتـالي دعـوة الحكومـات والـدول لتشـجیع النشـاطات الاقتصـادیة المرتبطـة بـالفنون والثقافـة لمـا لهـا مـن فوائـد عدیـدة ومختلفــة اجتماعیــا واقتصــادیا، إذن فــان مصــطلح الصــناعات الثقافیــة "ظهــر مــن جدید على السطح نهایة سنوات 1970 ،لكن بصیغة الجمع، و بدون الدلالة السلبیة التي التصقت به في البدایة" ، وهذا الفرق بین المصطلحین هناك من لا یأخـذ بـه ویسـتعمل كـلا المصـطلحین وكـأن لهمـا نفـس الدلالـة، لكـن فـي الواقـع فـإن صـیغة المفـرد هـي أقـرب لمفهـوم الثقافـة الجماهیریـة منـه إلـى مصـطلح الصـناعات الثقافیـة لـذا نجـد ربمـا "تیـودور أدرونـو" بعـد سـنوات مـن كتابـة المؤلـف الشـهیر "جـدل العقـل التنـویري" یسـتدرك الأمـر ویقـول أنـه "بـدایات العمـل كانـت المسـألة متعلقـة بالثقافـة الجماهیریة، لكننا تخلینا عن هذا المصطلح لإستبدالة بالصناعة الثقافية.
2- الثقافة الجماهیریة والصناعات الثقافیة:
یسـتعمل مصـطلح الثقافـة الجماهیریـة للإشـارة إلـى مجمـو ع الأعمـال والمـواد الثقافیــة المنتجــة والمصــنوعة فــي إطــار مبــادئ الإنتــاج الصــناعي والتــي تعــرض وتســتهلك كــأي ســلعة أخــرى، أمــا مصــطلح الصــناعات الثقافیــة فهــو یشــیر إلــى الأنشـطة التـي تـؤدي إلـى إنتـاج هـذه الأعمـال والمـواد الثقافیـة بالأسـاس ولـیس إلـى هــذه الأعمــال والمــواد فــي حــد ذاتهــا، أي بعبــارة أخــرى یمكــن أن نصــف الثقافــة الجماهیریة بأنها نتاج الصناعات الثقافیة.
3- الصناعات الإبداعیة والصناعات الثقافیة:
كثیرا ما یتم استعمال مصطلح الصناعات الثقافیة مع الصناعات الإبداعیة للدلالة على نفس الشيء وفي أحیان أخرى یتم جمعهما مع بعضهما البعض من خلال إستخدام مصطلح الصناعات الثقافیة والإبداعیة، ویسود نقاش حول الفر ق بین المصطلحین في الأوساط الأور و بیة المهتمة بالثقافة وسبب هذا النقاش هو محاولة تحدید كیفیة إعداد الإحصائیات المرتبطة بالثقافة، وفي الواقع فإن الصناعات الإبداعیة تختلف عن الصناعات الثقافیة من حیث أن الأولى شدیدة العموم، أما الثانیة فهي خاصة بالأعمال والمواد الثقافیة القابلة للإعادة الإنتاج وفق مبادئ الإنتاج الصناعي، ومصطلح الصناعات الإبداعیة الذي تم استغلاله أول مرة في بریطانیا كان بهدف "جمع مجمل النشاطات التي یعتمد إنتاجها على الإبداع أو الأفكار التي یمكن أن تكون قانونیا محمیة، وتكون منتجاتها موجهة للسوق" ، وبالتالي یمكن لنا القول أن الصناعات الإبداعیة هي مصطلح أكثر عمومیة من الصناعات الثقافیة لكن یمكن اعتبار هذه الأخیرة كجزء من الصناعات الإبداعیة، ویمكن القول بعبارة أخرى أن الصناعات الثقافیة هي صناعات إبداعیة لكن الصناعات الإبداعیة لیست صناعات ثقافیة.
رابعا: أهم المقاربات النظریة للصناعات الثقافیة:
الصناعات الثقافیة كنظریة هي مفهوم یتأرجح بین تیارین فكریین متعارضین، الأول یستمد وجوده من الإیدیولوجیة النیولیبرالیة (اللیبرالیة الجدیدة) والآخر نقدي یتمثل بالأساس في أعمال مدرسة فرانكفورت النقدیة.
1- المقاربة النیولیبرالیة:
بالنسبة لهذه المقاربة فإن الثقافة هي مجال للعمل والنشاط الاقتصادي الذي یجب علیه أن یحقق الأرباح المالیة، وبالنسبة لأصحاب هذه المقاربة فإن منتجات الصناعات الثقافیة هي سلع تشبه السلع الأخرى والمؤسسات المنتجة لها لابد علیها أن تعتمد على نفس السیاسات والأهداف التي تسعى إلیها بقیة المؤسسات الخاصة الأخرى، أي تطویر المبیعات والمداخیل وتحقیق أقصى قدر ممكن من الفوائد.
2- المقاربة النقدیة (مدرسة فرنكفورت):
تعود بدایة مدرسة فرنكفورت إلى تأسیس معهد العلوم الاجتماعیة بمدینة فرنكفورت بألمانیا سنة 1923والذي تم غلقه بدایة سنة 1933 وذلك بعد وصول الأنظمة الفاشیة والنازیة للحكم في ألمانیا وبعض البلدان الأوروبیة الأخرى، وهو ما اضطر الكثیر من الأساتذة في هذا المعهد إلى الفرار خارج ألمانیا، وقد استعملت تسمیة مدرسة فرنكفورت بدایة من سنوات الستینات للدلالة على مجمل أفكار رواد هذا المعهد القائمة بالأساس على فكرة النقد، لذا تعرف كذلك بالمدرسة النقدیة ومن أهم المواضیع التي اهتم رواد هذه المدرسة بنقدها هي الإعلام وكذا الصناعات الثقافیة بشكل خاص وذلك في كل المجتمعات بدون استثناء سواء الرأسمالیة أو السوفیتیة وحتى الأنظمة الفاشیة في أوروبا، وقد اعتبر رواد هذه المدرسة خاصة "أدورنو" و"هوركهایمر" أن صناعة الثقافة هي علامة واضحة على إفلاس الثقافة وسقوطها في السلعنة، وذلك أن تحویل الفعل الثقافي إلى قیمة تجاریة یقضي على قوته النقدیة ویحرمه من أن یكون أثرا لتجربة متأصلة، فالصناعة الثقافیة هي العلامة الفاصلة على تراجع الدور الفلسفي للثقافة والذي لعبته لمدة طویلة في التاریخ على مستوى الحیاة الاجتماعیة والاقتصادیة، وفي هذا الإطار یرى الباحثین كذلك بأن الصناعة الثقافیة لن تؤدي إلى تحریر الفرد لكن بالعكس من ذلك فإنها ستؤدي إلى شكل جدید من أشكال الاستبداد، یتمثل في فرض نمط موحد لعیش الأفراد من خلال سیطرة منطق اقتصادي واحد، أي أن الاستبداد لیس موجودا فقط في المجتمعات الفاشیة بل حتى في المجتمعات اللیبرالیة.
وقد كان الإشكال الذي طرحته مدرسة فرانكفورت في ما یخص الصناعة الثقافیة في المجتمعات الصناعیة هو:
كیف یمكن لصناعة الثقافة أن تمارس هذا الدور الإیدیولوجي الذي یسهم في المحافظة على نظام رأسمالي یستعمل الأغلبیة من أجل مصالح الأقلیة؟
وقد كانت الإجابة في مجموعة من النقاط هي:
1- الصناعة الثقافیة تلعب دور إیدیولوجي حاسم فهي من توجه أسالیب الاستهلاك وتتحكم في أوقات الفراغ وتقنع الناس بأنهم یعیشون في أفضل مجتمع ممكن
2- المنتجات الثقافیة یتم إنتاجها بشكل موحد وضخم وذلك بنفس الطریقة التي تنتج بها المواد الأخرى من خلال الصناعة
3- الصناعة الثقافیة تقدم للفرد القیم الرأسمالیة كالنجاح الفردي، المكانة المركزیة للمال، والقیم المادیة.
خامسا: رهانات الصناعات الثقافیة:
شهد العالم في السنوات الأخیرة اهتماما متزایدا بالصناعات الثقافیة بمختلف أشكالها فأضحى الإنتاج الثقافي للمجتمعات معبرا عن مدى قوتها وتطورها سواء من الناحیة المادیة أو المعنویة، فكان الاستثمار في مجال إنتاج الثقافة وتسویقها خیارا استراتیجیا راهنت علیه الكثیر من الدول والحكومات، وعملت على التأسیس له وكذا تطویره من خلال برامج وطنیة ، جهویة و دولیة، وربما أن من أهم التحدیات التي راهنت علیها هذه الدول من خلال الاستثمار في هذا القطاع المهم هي ما یلي:
1- الرهانات الاقتصادیة: مما لاشك فیه أن الرهان الاقتصادي للصناعات الثقافیة هو في غایة الأهمیة، حتى أنه یعبر عنها في كثیر من الأحیان بعبارة البعد الاقتصادي للثقافة، وما زاد في أهمیة هذا الرهان هو حالة النمو التي یشهدها هذا القطاع الإنتاجي في السنوات الأخیرة فأصبح یحتل الرتبة الخامسة في قائمة القطاعات الأكثر إنتاجا على المستوى العالمي وذلك بعد الخدمات المصرفیة، تقنیات الاتصال، الصیدلة والتكنولوجیا الحیویة، السیاحة، وهذا ما جعل هذا القطاع یسهم فیما نسبته بین 07 إلى 10 %من الإنتاج العالمي الخام ، وما یبرز أهمیة هذا الرهان كذلك على المستوى العالمي هو أن قطاع الصناعات الثقافیة بشكل خاص والإبداعیة بشكل عام هو أكثر القطاعات الاقتصادیة استقرارا رغم الأزمات الاقتصادیة المتنوعة التي شهدها العالم في السنوات الأخیرة ، وبالتالي فإن هذه الصناعات الثقافیة تشكل فرصة كبیرة وملائمة للمجتمعات المختلفة في عالم الیوم وخاصة ما تعلق بالنامیة منها وذلك بهدف خلق بنیة اقتصادیة قویة سواء على المستوى المحلي أو الإقلیمي أو محاولة الاندماج في الواقع الاقتصادي العالمي، ویتم ذلك بشكل أساسي من خلال تشجیع إنشاء المؤسسات الصغیرة والمتوسطة في هذا المجال والتي مما لاشك فیه أنها تساهم في محاربة البطالة من جهة وكذا تكوین الثروة من جهة أخرى في هذه المجتمعات.
2- الرهانات الاجتماعیة والثقافیة: مما لاشك فیه فإن الصناعات الثقافیة لا تكمن أهمیتها فقط في الأبعاد الاقتصادیة بل قد یتعدى الأمر إلى أهداف اجتماعیة وثقافیة أخرى أهمها ما یلي:
- یمكن لهذه الصناعات أن تلعب دورا مهما في تطویر الأفراد ویتم ذلك من خلال تنمیة القدرات النقدیة والفكریة لهم، وهي كذلك وسیلة أساسیة للتنشئة الاجتماعیة والتعلم وكذا مساهمتها بقسط وافر في تطویر المعارف والقدرات الفردیة.
- یمكن كذلك للثقافة أن تلعب دورا محوریا في مجال التماسك والرقي الاجتماعي وكذا تطویر الهویة الاجتماعیة سواء تعلق الأمر بالمستوى المحلي، الوطني أو الإقلیمي ، وذلك من خلال تعزیز الشعور بالانتماء لهذه الهویة أو التقدیر الذي یمكن أن یعطیه الآخرون لهذه الهویة.
- الصناعات الثقافیة وتهدید التنوع الثقافي:
یعبر مصطلح التنوع الثقافي على وجود ثقافات متنوعة ومختلفة عن بعضها البعض نشأت منذ مراحل طویلة من التاریخ الإنساني، والتي من الواجب العمل على حمایتها والحفاظ علیها وذلك على غرار التنوع البیئي في الطبیعة، وقد برز هذا المصطلح بشكل كبیر في السنوات الأخیرة نتیجة لبروز هیمنة ثقافات معینة على ثقافات أخرى، ویعد تطور وسائل إنتاج الثقافة عند بعض المجتمعات دون الأخرى عاملا في تهدید التنوع الثقافي العالمي وخاصة في مجال الإنتاج السینمائي و التلفزیوني، لذا یمكن أن تهدد الصناعات الثقافیة التنوع الثقافي العالمي من خلال ما یلي:
1- أن لا تمتلك ثقافات معینة الإمكانیات المادیة اللازمة للاندماج في مثل هذه الصناعات لكي تتمكن من التعبیر عن نفسها وفي نفس الوقت الحفاظ على ارثها الثقافي.
2- التفاوت في تطور الصناعات الثقافیة بین المجتمعات والدول قد یؤدي إلى قوة هویة ثقافة معینة ویضعف هویة أخرى.
3- في ظل الواقع العالمي الحالي فإن إنتاج وتوزیع الثقافة لن یسهم في وجود تبادل ثقافي بقدر ما سیؤدي إلى هیمنة ثقافة واحدة على الثقافات الأخرى، وبالتالي یجب استثناء الإنتاج الثقافي قدر الإمكان عن قواعد السوق الحرة باعتباره منتجا یختلف عن المنتجات الصناعیة الأخرى.
- مقومات الصناعات الثقافیة: في عالم الیوم كل المجتمعات الإنسانیة تحاول أن تعبر على نفسها من جهة وأن تتعرف على الآخر من جهة أخرى، وكل ذلك یتم بشكل أساسي من خلال الصناعات الثقافیة والإبداعیة، فهذه الأخیرة هي ما یترجم ویعبر عن طموحاتها، انجازاتها، تقالیدها، إبداعاتها، تاریخها، اهتماماتها وهمومها ، لكن لكي یتطور هذا القطاع الاقتصادي المتعلق بالثقافة لابد من توفر عوامل موضوعیة لذلك وأهمها ما یلي:
1- السیاق العام للاقتصاد: على غرار مختلف الأنشطة الاقتصادیة المختلفة فان قطاع الصناعات الثقافیة لا یمكن له أن یتطور بدون توفر مجموعة من الهیاكل القاعدیة الأساسیة ومثال ذلك وسائل المواصلات العامة، الكهرباء، الولوج لتكنولوجیا الإعلام والاتصال الحدیثة.
2- السیاق السیاسي:
هو الآخر مهم لنشوء وتطور هذا النوع من الصناعات وذلك من خلال وجود أنظمة سیاسیة قادرة على ضمان الحقوق الأساسیة المختلفة للإنسان خاصة ما تعلق منها بالحریة والعدالة، وبعبارة أخرى لا یمكن الكلام عن صناعات ثقافیة مزدهرة في ظل أوضاع سیاسیة غیر مستقرة.
3- الاهتمام بالمبدع: مما لاشك فیه فإن المبدع هو نواة وبدایة كل نشاط ثقافي ولا یمكن الكلام على صناعات ثقافیة ناجحة ومتطورة بدون هذا العنصر ، وبالتالي لا بد أن تتوفر له عوامل مساعدة لإبداعه خاصة ما تعلق منها بحریته في الإبداع وكذلك توفر جو ملائم لعمله الإبداعي
4- تنظیم القطاع: وذلك من خلال وضع آلیات محددة لعمل هذا القطاع الإنتاجي بكل مكوناته، بدایة بالعمل الإبداعي و مرورا بالإنتاج و وصولا إلى المستهلك ، وذلك على مستوى وضع التشریعات اللازمة لذلك من جهة والعمل على تطبیقها من جهة أخرى.
5- توفیر التمویل: ومن أهم أشكال التمویل المعروفة هي القروض والتي تحتاجها المؤسسات في بدایتها بالخصوص، لكن المؤسسات المالیة في مختلف دول العالم تتعامل بحذر مع المؤسسات التي تستثمر في الإنتاج الثقافي وذلك لارتفاع المخاطر التي تهدد هذا النشاط.
6- المنشآت القاعدیة الثقافیة : وهي مهمة في احتضان النشاط المرتبط بالصناعات الثقافیة، ولا یمكن الكلام عن هذه الأخیرة دون وجود وتوفر هذه المنشآت القاعدیة (المدن المختصة في الإنتاج الإعلامي والسینمائي، قاعات العرض السینمائي ، المكتبات، مؤسسات البث ...).
7- التجهیزات:
وغیابها یطرح إشكالا كبیرا وذلك لأن الإنتاج الثقافي سیواجه صعوبات في ظل عدم توفر التجهیزات الضروریة كعتاد التسجیل، عتاد الصوت وكذا التصویر
8- وسائل الإعلام:
ومن أهمها التلفزیون، الرادیو، الصحافة المكتوبة... الخ، والتي بإمكانها أن تلعب دورا مهما في تطویر الصناعات الثقافیة وذلك على مستویات متعددة فهي مثلا قادرة على أن تتدخل في عملیة الإنتاج سواء كمؤسسات منتجة للأعمال الثقافیة، أو مساعدة للإنتاج من خلال منح تجهیزاتها للفنانین في إنتاج أعمال إذاعیة وتلفزیونیة معینة، كما تلعب وسائل الإعلام كذلك دورا مهما في الترویج للأعمال الثقافیة والفنیة المنتجة ، وكذلك فإن المؤسسات الإعلامیة هي من تمثل الزبون الرئیسي لكثیر من منتوجات الصناعات الثقافیة.
9- الید العاملة المتخصصة والمؤهلة:
من المهم للغایة أن یتوفر لهذا النوع من الصناعات ید عاملة مؤهلة سواء على المستوى الفني، التقني، الإداري...، والتي توفرها في الغالب مراكز تكوین متخصصة، والتي تحتاج هي الأخرى لمكونین في مختلف هذه المستویات ، وكذلك لابد من توفیر تكوینات وتربصات تطبیقیة بالأساس تسمح بالاحتكاك مع المختصین في هذا المجال من الصناعات.
10- تسییر حقوق المؤلف:
إن تحویل العمل الثقافي إلى عمل قابل لإعادة الإنتاج استدعى بالضرورة وجود آلیات لحمایة صاحب العمل الأصلي، والتي أصبحت تعرف بمصطلح حقوق المؤلف، ولا یمكن الكلام عن وجود صناعات ثقافیة وإ بداعیة متطورة بدون وجود هذه الآلیات التي تحمي عمل المبدع الأصلي من خلال ضمان حقوقه.