نظريات التنمية
(C002)

محضارة رقم02:

شغلت قضية التنمية والتخلف – ولا تزال – اهتماما كبيرا على الصعيدين الأكاديمي والسياسي منذ ما عرفه العالم من تحولات اقتصادية، سياسية، اجتماعية وثقافية، بعد الحرب العالمية الثانية، وكذلك ما أحدثته كل من الثورتين الفرنسية والثورة الصناعية، حيث أن هذه القضية هي إحدى القضايا دائمة الحضور في الجدل بين الشمال والجنوب، حتى ولو تغيرت أشكال طرحها أو مسلماتها أو محاور الاقتراب منها وبؤر التركيز فيها، تبعا لتغير مصالح واهتمامات ورؤى الطرف الأقوى في المعادلة الدولية. انطلاقا مما سبق نلاحظ أن الاهتمام بموضوع التنمية والتخلف ليس وليد اللحظة الراهنة، بل على العكس من ذلك له جذور في الماضي، حيث حظيت هذه الإشكالية باهتمام العلوم الاجتماعية وخاصة منها علم الاجتماع الذي عرف بمجموعة من النظريات السوسيولوجية والمقاربات المعرفية للإشكالية ذاتها، وتدخل هذه المقاربات في إطار النظريات السوسيولوجية الكبرى، كالنظرية الماركسية والنظرية البنيوية الوظيفة. وترجع حدة هذا الاهتمام المتزايد بقضايا التخلف والتنمية إلى الطبيعة البنيوية لظاهرة التخلف الذي يتميز عن غيره من الوقائع الاجتماعية الأخرى بالتركيب والتعقيد وبالدينامية، التي تجعل منه دائما في تغير مستمر، هذا بالإضافة إلى كون مطلب التنمية هو مطلب تاريخي تتطلع إليه كل المجتمعات بمختلف مكوناتها وشرائحها، الأمر الذي جعل موضوع التنمية من أهم قضايا العصر، مما حتم على الباحث داخل العلوم الاجتماعية ولاسيما علم الاجتماع، الاجتهاد للإحاطة بإشكالية التنمية من خلال مقاربة ظاهرة التخلف من زاوية معينة والتي تختلف باختلاف توجهات الباحثين الإيديولوجية ومشاربهم الفكرية. ومن أهم الاتجاهات والمقاربات النظرية التي حاولت أن تتطرق لإشكالية التخلف والتنمية، نجد ما يلي : - الاتجاه التطوري المحدث. - الاتجاه الانتشاري. - الاتجاه السيكولوجي أو السلوكي. - الاتجاه الماركسي المحدث أو اتجاه التبعية. - ويمكن تلخيص أهم ما جاءت به هذه الاتجاهات في:

1) النظرية التطورية الجديدة: والتي جاءت لإحياء المنظور التطوري الذي كان سائدا عند هربرت سبنسر وتشارلز داورني، الذي كان ينكر ضرورة وأهمية الثورة، كما أكدت هذه النظرية الطابع التقليدي للمجتمعات المتخلفة، أي أن هاته المجتمعات وحدها تتحمل مسؤولية تخلفها، متجاهلة بذلك الدور التاريخي الذي قام به المجتمع الغربي في هذه المجتمعات . وقد استفادت هذه النظرية من دراسة المجتمعات النامية وذلك من خلال : تحديد المراحل المختلفة التي مرت بها المجتمعات المتطورة ( المصنعة ). قياس المسافة المتبقية بين النموذجين المتقدم، والمتخلف، أي معرفة المدة اللازمة لكي يلتحق البلد المتخلف بالبلد المتقدم النموذج. وخير من يعبر عن هذا الاتجاه هو روستو بمراحل النمو الخمس وهي: 1. مرحلة المجتمع التقليدي. 2. مرحلة التهيؤ للأنطلاق. 3. مرحلة الانطلاق. 4. مرحلة النضج . 5. مرحلة الاستهلاك الوفير. 2) الاتجاه الانتشاري: يقوم على مسلمة أساسية هي أن الدول الصناعية الرأسمالية المتقدمة تمثل بالنسبة للدول النامية أمل أو صورة المستقبل التي ينبغي أن تحتذى وذلك عن طريق نقل العناصر الثقافية ( المادية والروحية )، من المتقدمة إلى المتخلفة ونشرها فيها. ويعتبر دانييل لينر أحد رواد هذا الاتجاه، والذي يشكو ( الاتجاه الانتشاري ) من ضعف نظري أساسي يتمثل في: • تأكيده المستمر على فكرة الثنائية ( تقليد / تحديث ). • اهتمامه بالأجزاء وابتعاده عن أي نظرة شاملة، بمعنى أن تغيير العلاقات بين الأجزاء هو السبيل إلى تجاوز الفروق والاختلافات. • الانحراف عن المهام الأصلية التي سعى منذ البداية إلى تحقيقها وابتعاده عن أعمال الرواد المحدثين. 3) الاتجاه السيكولوجي أو السلوكي: حيث يحاول هذا الاتجاه التركيز على درجة " الدافعية " الفردية، أو الحافز الفردي باعتباره الدعامة الأساسية للتنمية، ولا بد وفق هذا الاتجاه من تحديد الصفات السلوكية والنفسية للإنسان المتقدم سواء الآن، أو إبان فترة " الإقلاع " التنموي الأولى، باعتبارها الموذج الذي على الإنسان المتخلف تقليذه وحذوه . ومن أهم رواد هذا الاتجاه نجد: دافيد ماكليلاند وهيجن هذين الرائدين الذي يقول في حقهما السيد محمد الحسيني بأن : " أفضل وصف لوجهتي نظر ما كليلاند وهيجن أنهما بمثابة تشويه لآراء ماكس فيبر... " . رغم كون هذا الاتجاه هو رد فعل للاتجاهات النظرية الأخرى التي ركزت في تحليلاتها على العوامل الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية والسياسية. 4) الاتجاه الماركسي المحدث أو اتجاه التبعية: شكل اتجاه التبعية تيارا نقديا مناهضا لتيار التحديث الذي يضم جميع الاتجاهات المذكورة سالفا، وهو بذلك استجابة نقذية " لوجهة نظر المراكز الكولونيالية "، حسب Dos Santos في قضايا التخلف والتنمية. فماذا نقصد بالكولونيالية؟ الكولونيالية تعنى احتلال دولة لدولة أخرى خارج حدودها سياسيا واقتصاديا بالاعتماد على القوة العسكرية، أي الاستعمار، لكن هذه الدول حصلت على الاستقلال، فماذا بعد الكولونيالية؟ يعرف الباحث كريس دوهمان نظرية ما بعد الكولونيالية بأنها حركة فى النقد الاجتماعى والأدبى التى ترد على آثار الامبريالية الأوروبية على الشعوب المستعمرة ، إن ما بعد الكولونيالية تقدم سردية مضادة تتصل بالشعوب المستعمرة سابقاً ، أو تسرد بالوكالة عن خصومها ؟ وذلك بشأن الافتراضات المتمركزة إثنياً فى الثقافة الغربية ، ويضيف هذا الباحث موضحا ، أن دلالة مصطلح ما بعد الكولونيالية لا تتضمن فقط بعد المرحلة الاستعمارية بل إنها مقاربة نقدية أيضاً التى تبرز من الاستعمار لتصارع أسسه. إذا كانت ما بعد الكولونيالية مقاربة نقدية ، فذلك أنها لا تنتقد الافتراضات الغربية المتمركزة إثنياً على أساس أن الشعوب الغربية الآرية أكثر مدنية وتحضرا وديمقراطية وعقلانية من الشعوب المستعمرة سابقا فقط ، إنما يمتد نقد هذه المقاربة إلى مرحلة ما بعد الاستقلال ، لأن هذه الحقبة القصيرة من حيث المدى الزمنى لا تمثل قطيعة تامة مع آثار وكدمات ، أو لنقل التأثيرات النفسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية التى تعرضت لها الشعوب المستعمرة فى العالم الثالث على مدى مئات السنين ، والدليل على ذلك ، أن مجتمعات هذا العالم لا تزال تابعة للمراكز الغربية على مستوى جميع النواحي. وقد تضمنت مدرسة التبعية مجموعتين متميزتين من الاقتصاديين هم: o مجموعة البنيويين في شخصها Celso Furtado. o مجموعة من الماركسيين الجدد، مثل: سمير أمين وأندري جوندر فرانك. حيث يقول جوندر فرانك: " إنهم لن يتمكنوا من تحقيق هذه الأهداف باستيراد القوالب الكلامية العقيمة من المركز والتي لا تتماشى مع حقيقة اقتصادهم التابع، ولا تستجيب لاحتياجاتهم الاستقلالية السياسية "