تعتبر التداولية محطّة جديدة رست عليها لسانيّات الخطاب، تتميّز بكونها أعطت اللّسانيّات شعلتها الحقيقيّة وهي شعلة التّأسيس المتجدّدة، إذ لم تفرط في البنيويّة، حيث ارتبطت لسانيّا - فعل القول- بالدّال اللّساني بكيفيّة أساسيّة، كما أنّها أعطت الخارج- لساني وظيفة تفسير الدّال وترتيب معطيات المعنى،...بذلك شكّلت دفعا ابستمولوجيا مكّن اللسانيّات الجديدة من نسق مفاهيمي يضمن تحليلا إجرائيّا حديثا لمختلف المستويات اللّسانيّة والخارج- لسانيّة.
ومقارنة بالفروع اللّغويّة التي عولجت سابقا، فإنّ التّداوليّة قد دخلت الخريطة اللّغويّة مؤخّرا، إلّا أنّ ذلك لم يمنعْها من أن تكون عاملا هامّا في الدّرس اللّساني الحديث في ظرف وجيز، وفي نظر "كارناب فإنّ الّتداوليّة كانت السّندريلاّ بين الحقول الدّراسيّة، ولدت من تجريد الفلسفة، ثمّ ما لبثت أن صارت ملتقى لعدّة علوم بعد أن كانت صندوق مهملات مناسب في نظر بعض الفلاسفة وعلماء اللّغة، وإنّ الذي يفسّر استبعادهم لها ونعتها بسلّة المهملات هو عدم فهمهم لتلك الصّياغة التي قدّمتها - التّداوليّة- المتألّفة من أمزجة مستخدمي الرّمز وسلوكهم ومعتقداتهم ومواقفهم، وهذا ما جعل فهم حقيقة التّداوليّة على الرّغم من ازدهارها مستعصيا على كثير من الباحثين حتى اليوم فيضعونها في مفترق الطّرق ويصفونها بلّا تخصّصيّة.
لكنهم اعتبروها المقاربة الوحيدة التي مكنّتنا من دراسة بنية الخطاب في السّياق؛ إذ تحلّل البنية اللّغويّة الدّاخليّة وتضيف إليها تحليل العناصر الخارجيّة المؤثّرة في تشكيل تلك البنية، تمزج بين العناصر البلاغيّة والتّداوليّة الخارجيّة وبين التّشكيلات الدّاخلية لإضاءة النّص من جوانبه المختلفة، وتنشد في تحليله الحقيقة الفعليّة في تناول الظّواهر اللّغويّة. فالحقّ أنّها تتّسم بالتّوازن والتكامل والتّكامل.