النضريات الايكولوجية الكلاسيكية
(S11)

النضريات الايكولوجية الكلاسيكية

إن النظريات المفسرة للمدينة كثيرة ومتعددة ، تختلف بناء على عاملين أساسين أولهما :مجال الاھتمام وثانيهما :طبيعة المتغيرات المعتمدة في تفسير ظواھرها،نقتصر في هذا الاطار على البعض منها:

-1 النظرية الايكولوجية : اطلق عليها ھذا الاسم نسبة إلى المدرسة الفكرية الأمريكية المعروفة ب"مدرسة شيكاغو"، التي اھتمت بالبحث في مجال علم الاجتماع الحضري، من اهم روادها هناك روبارت بارك، إرنست برجس، ورودريك ماكينزي. ..، لقد وضع بارك الإطار العام لهذه النظرية على اساس ان المدينة تعتبربمثابة المكان الطبيعي والثقافي الذي يقطنه الإنسان المتحضر،فهي وحدة على درجة كبير وعالية من التنظيم .بينما أھتم ما كنزي بالقوانين الداخلية والعمليات التي تسيطر على ھذا التنظيم. ، و نتيجة لذلك انطلق بارك من حقيقة أن العالم الطبيعي وحدة تتحرك وفق قوعد منتظمة ، محاولا تطبيقها على دراسة المدينة، ومن ثمة استهدف من خلال بحوثه، الكشف عن الأنماط المنتظمة في مكان للعلاقات الاجتماعية والإيكولوجيا للبحث عن العمليات و العوامل، التي تؤدي إلى التوازن الحيوي في المجتمع. تحقق اكبر انجاز لهذه النظرية على يد - ارنست برجس- والذي قدم تصورا نظريا يعبر عن وجود عدة حلقات لها نفس المركز، أولها منطقة الأعمال، المنطقة الايكولوجية للمدينة، والثالثة طبقة العمال،ومنطقة الفيلات ثم منطقة الضواحي. وذھب بيرجس الى"أن ظاھرة النمو الحضري ،ھي نتيجة لازمة لعمليات التنظيم والتفكك في نفس الوقت" . اما ھويت (Hoyt) فقد ركز على المناطق السكنية،وتوزيع الدخل.غير أن هاته النظرية تعرضت للكثير من الانتقادات،ادت الى تغيير اهتمامات الدراسات الحضرية، كالاھتمام بتوزيع الظواھر الاجتماعية في المكان الحضري(كالأمراض العقلية، وانحراف الأحداث والجريمة…)،. لذلك تعد رغم الانتقادات الموجهة إليها ،ذات اهمية قصوى في الدراسات الحضرية.

-2 النظرية النفسية الاجتماعية : تجسدت في أعمال كل من ماكس فيبر، جورج زيمل، أوزفالد شبنجلر من خلال المدرسة الالمانية ، حيث اكد فيبر على ضرورة إيجاد نظرية، أكثر شمولية ، نهج منهجا مغايرا تماما لما قبله محاولا توضيح الظروف التي تجعل دور المدينة إيجابيا، ولقد أعتبر المدينة منطقة مستقرة وكثيفة بالسكان،واھتم بدراسة عقليتهم الحضرية. وفي رأي ماكس فيبر فإن المدينة تتميز بتوفر سوق، وحصن،و محكمة،و شكل من العلاقات الاجتماعية،بالاضافة الى الاستقلال الذاتي... لقد حاول تقديم نموذج نظري لهيئة المدينة القادرة على إشباع كل القدرات الاجتماعية. اما جورج زيمل فقد ركز على ادخال الجانب النفسي السيكولوجي كالتوترات، والذكاء،...في الأشكال الحضرية. وبذلك يتفق زيمل مع فيبر في كون الصور الحضرية الحديثة، تشير إلى إمكانية ظھور حياة حضرية جديدة، ومعقدة بالاعتماد على عناصر سيكولوجية .و اخيرا أضفى اوزفالد شبنجلرعلى مفهوم المدينة نوعا من الروحانية، وأقربأن عدم التوازن بين الريف والمدينة، من الاسباب المؤدية الى حدوث تعارض في نظام الحياة، وان الفرق بين الريفي والحضري ھو التحرر الفكري...الخ.

-3 نظرية الثقافة الحضرية : من جهته ، يرى لويس ويرث (Lewis Wirth) ان المجتمع الحضري ، يتميز بالحجم و الكثافة و اللاتجانس، وهو الحجر الاساس للتنظيم الاجتماعي للسلوك، و يؤكد ان الحضرية كاسلوب في الحياة، تتميز بسيادة العلاقات الثانوية و العلمانية ، و بالتالي تصبح المدينة مركزا للعلاقات الاجتماعية، و قابل ويرث بين المجتمعات الريفية و المراكز الحضرية و اعتبر السمات التي تظهر او تتطور في البيئة الحضرية، ضرورية لنمو المدينة و خاصة سمتا الحجم و الكثافة. و في هذا الصدد يؤكد ويرث بان الحجم و الكثافة المرتفعة للسكان، وعدم التجانس في حياتهم الاجتماعية هي متغيرات اساسية ، او خصائص مميزة للمجتمع الحضري، تسلم بدورها الى عدد من القضايا التي ترتبط بطبيعة الحياة الحضرية و شخصية سكانها .و من هنا يرى ويرث انه كلما كبر حجم المدينة اتسع نطاق "التنوع الفردي" و ارتفع معدل التمايز الاجتماعي بين الافراد، الامر الذي يكرس ظاهرة العزلة لدى الافراد و الجماعات سواء على اساس الاصل او المهنة او المكانة،... وتساهم هذه العزلة في تدهور علاقات الجوار. كما ان ضعف هذه الروابط و العلاقات يفرض بدوره احلال العلاقات الرسمية، محل الروابط و العلاقات غير الرسمية. و من هذا المنطلق ينتقل ويرث على اساس الحجم الى عدد من القضايا التي تمس طبيعة المجتمع الحضري ،و مجموعة اخرى من القضايا استنادا الى الشخصية الحضرية ،اذ يرى ان كبر الحجم و زيادة عدد السكان يحد من امكانية التعارف بين الافراد بشكل شخصي، وهذا يترتب عنه الميل الى العلاقات الاجتماعية ذات طابع النفعي، و بهذا يكون كبر حجم المدينة سببا مباشرا في تكريس التفاعل الاجتماعي المتميزبالعلاقات السطحية و المؤقتة، مما يساهم في اضعاف او فقدان روح المشاركة و التطوع، و يؤدي هذا النوع من العلاقات الحضرية الى التخصص الوظيفي للانشطة، و تقسيم العمل واعتماد اقتصاد السوق.يتضح من هذا التصور النظري الذي قدمه" ويرث" ان المجتمع الحضري الذي يتميزبارتفاع عدد السكان و الكثافة السكانية المرتفعة و اللاتجانس الاجتماعي، يفرض ظهور بعض المشاكل الناتجة عن هذه المتغيرات الثلاثة و خاصة مشكل التلوث وانتشار احياء السكن العشوائي ..، و بالتالي تؤثر الحياة الحضرية و ما ينتج عنها من قضايا على الافعال الاجتماعية و التنظيم الاجتماعي.

5- نظرية الموقع الزراعي:ظهرت هذه النظرية في القرن التاسع عشر، على يد العالم الألماني فون ثونن (Von Thounen) سنة 1826 م، حاول من خلالها تفسير أنماط استخدام الأرض الزراعية، التي تنمو و تتطور حول المدن، أو المراكز الحضرية ،نتيجة تأثيرها على الرقعة الجغرافية المحيطة بها، وتدرس هذه النظرية، العلاقة بين المنتجات الزراعية والأسواق ومدى تأثير بعد مسافة المدينة عن الأرض الزراعية علي النشاط الاقتصادي . وتعد هذه النظرية أول محاولة أعطت البعد المكاني أهمية كبيرة في دراسة الأنشطة الاقتصادية المختلفة .

المراجع :

قلاب ذبيح، المتصل الريفي الحضري في الجزائر مدينة عين مليلة نموذجا ،رسالة ماجستر، جامعة الحاج لخضر باتنة، كلية العلوم الاجتماعية و الاسلامية ،2008.

السيد عبد العاطي السيد ، الإيكولوجية الإجتماعية ، مدخل لدراسة الإنسانية والبيئية والمجتمع، دار المعرفة الجامعية، الاسكندرية، 1980.

Berguess ,the crown of the city , an introduction to a research projet in park etal- the city- Chicago, univercity of Chicago, press,1925,pp 47- 62.2 ورد عند نوال قلاب ذبيح.